أعلنت إحدى المؤسسات الدولية العام الماضى، أن مصر من أسوأ عشر دول فى العالم تعيش فيها النساء، فى الحقيقة استقبلت الخبر بصدمة وغضب وطلبت من المؤسسة أن ترسل لى تفاصيل المسح الذى تم والمنهجيات التى استخدمت للوصول إلى هذه النتيجة الموجعة، قبل أن تأتينى البيانات التفصيلية كانت قصة السيدة «صيصة» التى تنكرت فى زى رجل لثلاثين عاماً حتى تستطيع الحياة كأحد الأدلة على صحة الدراسة، عندها شعرت بألم لهذه السيدة التى تنكرت لذاتها ووأدت المرأة فيها لأنها وجدت أن مجتمعها يطارد النساء ويئدهن إنسانياً، فقررت أن يكون بيدها لا بيد المجتمع كالمقولة الشهيرة «بيدى لا بيد عمرو».
عندما قرر الرئيس تكريم «صيصة» ورفعها لتجلس بجواره تقديراً لها وجبراً لخاطرها فى محاولة تطبيب ألم السنين، كانت خطوة مهمة لكن «صيصة» لم تستطع إحياء ما دفنت منذ ثلاثين عاماً لتعود إلى ذكوريتها.
مرة أخرى تطل علينا «بهية» بقصة قتل جديدة للأنوثة، «بهية» التى لم تجد فرصة عمل آمنة إلا بشكل الرجال وزى الرجال، لتؤكد ما تتعرض له البنات والسيدات فى مصر من عدوان غاشم على ذاتها وحقوقها كإنسان، بدءاً من الصغر بالتمييز ضدها واستقبالها بمجرد التبشير بالأنثى بوجه أسود من الغضب، مثلما أخبرنا القرآن الكريم عن الكفار، مروراً بالختان، والزواج المبكر، وإن فكرت أن تخرج عن تصور المجتمع لتكمل تعليمها وتعمل، فعليها تحمل وزر ذلك من التمييز فى العمل إلى المضايقات للتحرش الجنسى للاستغلال المالى، وعليها أن تقبل وصاية الجميع وتصوراتهم عن ما يصلح للمرأة من عمل وما لا يصلح، حتى فى الأعمال الدنيا.
تصورات أجبرت «بهية» أن تئد المرأة فيها، أن تدفن الأنوثة وتلبس ملابس الرجال، حتى تتخلص من مناظرات المناظرين حول حماية المرأة وكرامة المرأة وصيانة الجوهرة ورقتها وضعفها وكل هذه الأسلاك الشائكة التى تقيد النساء، خرجت «بهية» لتعمل فى المجارى وتبليط السيراميك وكل مجال للرزق غلق فى وجهها لمجرد أنها امرأة، لم تكن ضعيفة ورقيقة لمجرد حلق رأسها، الوحيد خلع الطرحة وحلق الرأس.
ومع هذا هل نجت من قسوة المجتمع، للأسف ما أن أطلت على الشاشات وكشفت عورات الفكر وعدائية المجتمع حتى سنت الأسنان ضدها بأكثر عدائية وتوحشاً.
امرأة أنجبت ستة أطفال، مات منهم ثلاثة، إما نتيجة مرض أو فقر أو عوز، امرأة دفنت ثلاثة من أبنائها بيدها وتصارع من أجل بقاء الثلاثة الآخرين، تسبح بضراوة وسط تماسيح متوحشة، باعت أنوثتها وكليتها وربما مستعدة لبيع عينيها أو حتى قلبها النابض لتطعم أطفالها، فإذا بمفكرى الإنترنت ومنظرى المصاطب يلفت نظرهم أنها خلعت الحجاب، وهل هذا حلال أم حرام؟! وهل تدخل الجنة أم لن تدخلها؟! أى عبث وأى بيئة عدائية تعيشها النساء فى هذا المجتمع!!
قصة «بهية» تحتاج وقفة جادة على مستوى الدولة لنقيم جهود الحد من الفقر وبرامج الدعم الاجتماعى ودور القروض متناهية الصغر والصغيرة فى دعم السيدات فى تأمين فرص عمل كريمة، تحتاج إلى مراجعة اجتماعية وقانونية لمنظومة الفكر والثقافة والحماية للبنات والسيدات، تحتاج إلى إعادة تحليل لنوع التدين الذى ندعيه وكيف تحول الكثيرون إلى كفار يئدون البنات ويجلدون السيدات وتسود وجوههم حينما يبشرون بالأنثى.
بالتأكيد «بهية» بطلة وتستحق التكريم لكن من أجل بهية وبهيات مصر جميعاً التكريم إن لم يتوافق مع وقفة جادة من كل مسئول أن يراجع ويحلل جريمة قتل الإناث فى مصر، أسبابها وكيفية معالجتها واتخاذ إجراءات وإقرار قوانين للحماية، وتبنى برامج دعم، ربما نجد أنفسنا إما مجتمعاً تدفن فيه كل النساء أنفسهن وتصبح «بهية» أيقونة كل امرأة فى ظروفها لنتحول إلى مجتمع من الذكور فقط.