سائق التاكسي الذي نظر لي بعد أن شكا همًا ثقيلًا وابتسم وقال: "ولكن الحمد لله إحنا أحسن من غيرنا"، سمعته بقلبي وكأنه تعمد أن يقول "إحنا" ليدخلني معه في قاعدة الرضا واليقين بفضل الله ونعمته، كان يخاطبني هو ليشكو، وكنت أسمعه أنا لأخفف عني ألم، زميلي في العمل الذي كنت أرى فيه طول الحياة بروحه المرحة، مرض وهو يبدو في كامل صحته وتوفي في أقل من شهر، رحمه الله كان رجل تقيًا عاش حياته ساعيًا لعلم وساعيًا لابتسامة الرضا في وجه كل متاعب الحياة، الولد الصغير الذي كان يضحك من عمق قلبه من فوق كرسي متحرك حين كانت الدنيا عابسة في عيني، وكنت أراها بانكسار المنهزم في جولة أخيرة، صديقي الذي أخبرني عن قصة صديقه الذي فصل من عمله، وتراكمت عليه الهموم والديون، ويأتي الله بفرج بأضعاف راتبه القديم.
رسائل السعي حين يأست، والرضا حين تذمرت، الرسائل التي تأتي في أشد احتياجنا لها وأقل أوقاتنا أملًا في حدوثها.
الذين بدو لنا يشكون همًا وكانوا في باطن الأمر يخففون عنا همًا، ومن جاءونا محاطين بألم الأيام لينتشلوا من قلوبنا ألمًا زائدًا دون أن يعوا، من جاءوا طالبين النصيحة لأحزانهم فمنحونا في المقابل أعظم النصائح ثمنًا، الرسائل التي صغرت بها شكوانا، وكبر بها يقين الرضا بقلوبنا، وهدأت عندها حروب عظيمة بداخلنا.
الرسائل التي جاءت محملة بالانكسارات والمقاومة لترد لنا شيئًا كان مفقودًا منا، وتنتشلنا من أفواه الأيام البائسة، واليأس المبهم، لنعدل بها عن مسارات تضخ في قلوبنا مزيدًا من المعاناة، جاءت في وقت كنا نرجو فيه الله "يارب معدتش قادر اتحمل"، لتجعلنا نواصل الحياة قبل أن يتلف الألم قلوبنا، ونستمر بفرص أخرى قبل أمتار من الانكسار الأخير.