تفي أجازة عيد الأضحى المنصرم التزمت بيتي ولم أخرج منه.. ربما لأنني لم أعد أستشعر حلاوة أيام الأعياد مثل ذي قبل.. فهذه حالة ربما نتشارك فيها جميعا.. فلا نعرف فيها من الذي تغير بدقة أهو الزمن الذي يجري من بين أيدينا ولا نشعر به.. أم أننا نحن من نتغير ونتهم الزمان بالتغير.. وربما وهو هو الأهم أننا فقدنا براءة الطفولة بمضينا في رحلة العمر فصرنا نحمل من المشاكل والهموم ما جعلنا لا نرى السعادة إلا في لحظات نادرة.. أما حين كنا أطفال فلم نكن نحمل أدنى مسئولية فكان العيد للعب واللهو فقط وهو ما نراه الآن على وجوه الأطفال الباسمة في الأعياد.. مما يؤكد أننا من تغيرنا وليس الزمن.
ومن عنده أطفال يدرك هذا جيدا حين يطالبه أبناءه بالعيدية ولا يحملون هم من أين سيأتي بها ولا يفرق معهم إذا كان أباهم مديون أم لا.. المهم أن يحصلون على العيدية.. ألم نكن نفعل هذا في صبانا!
لكن يبقى أن هناك ثمة تغير مؤسف في حياتنا جعل للعيد (وعيد الأضحى بالتحديد) لون ورائحة مقززة.. وهي رائحة الدم ولونه القاني.. فمنذ زمن طويل والناس تذبح الأضحية عند الجزارين أو في المذبح وكانت القلة النادرة من تذبح أمام البيوت.. لكن فجأة تحول النسك الديني الذي شرع ليعلمنا قيمة كبرى وهي قيمة الرحمة حيث شرع هذا النسك ليتشارك الغني مع الفقير في سعادة واحدة وهي أكل اللحم الذي لا يستطيع الفقير تناوله دائما.. والغني يمكنه ذلك لذلك جاء التشريع ليأمره بأن يذهب ثلثها على الأقل للفقراء والمساكين.. لكن فجأة تحول هذا النسك إلى ما يشبه المجزرة.. يستل فيها كل مسلم غني سكينه ليذبح ذبيحته على مرأى ومسمع من الجميع ثم لا يكتفي بهذا بل يدور موزعا دمائها على الإسفلت ويخمس بأصابعه على الحوائط ووصل الأمر الآن إلى أن يلطخ الأطفال أياديهم وملابسهم البيضاء بالدماء.. فما علاقة هذا بالدين.. من الذي قال أن رؤية الأطفال للدماء والتعامل معها بشكل طبيعي هو نسك ديني.. وماذا تريدون أن تخلقوا في نفوس الأطفال وهم يرون مشهد الدماء بهذا الشكل.. لما تقتلون براءة الأطفال بهذه المشاهد القبيحة التي لا تمت للإسلام بصلة بل لا تمت لأي دين وأي رحمة.
ثم دعوني أذكركم أن القصة الشهيرة الخاصة بسيدنا إبراهيم وردت في القرآن الكريم دون أن تحدد نوع الفدية ودون أن تشير إلى عمليه الذبح فقال الله تعالى "وفديناه بذبح عظيم" وهنا ندرك أنه ليس معلوم ما هو نوع هذا الذبح العظيم سواء كان عجل أو أكبر أو أقل.. ثم الله عز وجل يقول بذبح أي نزلت الفدية مذبحة بالفعل كي لا يرى سيدنا اسماعيل دماء الذبيحه.. فهل تدركون المعنى.
وألا يعلم الكثيرين أن من يربي كلب إذا أراد أن يجعله شرسا فإنه يطعمه اللحم والكبد بدمائها.. فماذا تريدون بجعل الأطفال يلهون بدماء الذبائح إلا أن تجعلوا منهم قساه القلوب وغلاظ المشاعر ومشاريع دواعش محتملة.
فكلمة لوجه الله.. اتقوا الله في أطفالكم وتعلموا من تلك النسك الرحمة وليس القسوة والغلظة رحمني ورحمكم الله.