نتيجة استفتاء كتالونيا تم تعليقها، إلى حين التفاوض مع الحكومة المركزية فى مدريد «إسبانيا»، أما الاستفتاء الكردى الذى أعلنت نتيجته، وأيّدت انفصال كردستان عن الحكومة المركزية فى العراق فيواجه مشكلات شديدة التعقيد. وقد تطورت الأحداث فيما يتعلق بموضوع «كردستان» على وجه الخصوص بشكل ملحوظ، خلال الأيام الماضية، فقد صدر حكم قضائى فى بغداد باعتقال المسئولين عن الاستفتاء، وخرج مسئولون من كردستان يؤكدون أن هناك ترتيبات لهجوم من جانب القوات العراقية على «كركوك»، حيث توجد آبار النفط.
لا خلاف على وجود حقائق على الأرض تدعم كلاً من الانفصالَين الكتالونى والكردستانى، فهناك قوى غربية ومحلية تغذّى تلك النزعة الانفصالية. فى موضوع كردستان على سبيل المثال تظهر إسرائيل كأكبر داعم صريح للانفصال. كما أن هناك أوضاعاً موضوعية على الأرض تغرى الكثير من الأقليات بالانفصال. فحالة الهشاشة التى تضرب بعض دول العالم أصبحت مغرية لأصحاب الأحلام القديمة بالانفصال بإنفاذها على أرض الواقع. وإذا كان الأمر يبدو أكثر حدّة فى مسألة «كردستان»، فذلك يعود إلى ارتفاع مستوى الهشاشة فى الحالة العراقية نتيجة عملية النحر الممنهج التى يتعرض لها هذا القطر منذ الغزو الأمريكى الغاشم لأرضه (2003).
فى كل الأحوال ليس من السهولة بمكان أن تقبل الحكومات المركزية مسألة الانفصال. وكما هو معلوم فالطابع المركزى هو الذى يحكم الأداء فى أغلب دول العالم. وقد رأينا كيف تصدت الحكومة المركزية فى مدريد لاستفتاء انفصال كتالونيا، ثم كيف تحركت بعد ذلك مظاهرات داخل الإقليم أعربت عن رفضها لفكرة الانفصال، وكيف أعلنت قوى معارضة عديدة فى كتالونيا رفضها للفكرة، وأكدت دعمها لموقف الحكومة المركزية. ورغم ما يبديه المسئولون فى بغداد من هدوء فى التعامل مع ملف الاستفتاء الكردستانى (لاحِظ تصريحاتهم)، فإن الترتيبات لمواجهة عسكرية تتم على قدم وساق، يشهد على ذلك التصريحات التى تخرج من «أربيل»، وكذلك المناورات المشتركة التى أجريت على حدود كردستان بين القوات العراقية والقوات التركية والإيرانية. الواقع على الأرض يقول إن الحكومة المركزية فى بغداد لن تصمت على الأمر حتى ولو أدى ذلك إلى التدخل بالقوة المسلحة، وهى تجد دعماً مزدوجاً من إيران التى تشارك الحكومة فى (التشيّع)، وتشاركها أيضاً فى وجود أكراد إيرانيين يطمحون هم الآخرون للانفصال.
قد يكون لدى مَن يدعو للانفصال أسبابه، فى الحالة الكردية على وجه التحديد هناك مظالم كثيرة تعرض لها الأكراد، لكن المسألة ليست سهلة، فالحكومات المركزية لها أسلوبها فى الإدارة، وهى تتحرك بمعادلة «ظلم البعض لحساب الكل»، ربما كانت تظلم الجميع، لكن ذلك لسان حالها فى كل الأوقات. الحكومة المركزية تضع عينها دائماً على المكاسب، والمصالح تشغلها عما عداها، الحكومة المركزية «مصلحجية» بالأساس، وهى تغطّى هذا النزوع لديها بحديث عن «الصالح العام» الذى يحقق الخير لكل أبناء الشعب، ولإنجاز هذا الهدف -من وجهة نظرها بالطبع- لا تجد الحكومات مشكلة فى حرمان مجموعة أو الافتراء على طبقة حتى تحقق تصورها فى إطار الواقع، متذرعة بلعبة «الصالح العام».