ليس غريباً أن يبدأ ترامب خطواته الجادة فى استكمال خطة دمار ما تبقى من الأمة العربية، وهى الخطة الشهيرة بالربيع العربى والعياذ بالله.. وترامب وإن كان قد هاجم أوباما وهيلارى كلينتون أيام الانتخابات الأمريكية واتهمهما بأنهما من بدأ الربيع العربى وأسس الدواعش وسلحهم.. لكنه الآن فى البيت الأبيض وفى المكتب البيضاوى، حيث وضعت الأجندات الناقصة وعليه أن يستكملها ويتمم عملية تفتيق الأمة العربية الغافلة.. والفرق بينه وبين أسلافه أنه أكثر سطحية وجهلاً بالسياسة وفن الحديث، وأنه يتعامل مع القضايا الدولية الشائكة بمنطق السبوبة، والرزق يحب الخفية.
وليس غريباً أن نصحو ذات يوم لنعلم أن اعتداءً ثلاثياً قد تم فى الفجر بالصواريخ على مواقع محددة فى سوريا.. والحجة فيلم مضروب عن الكيماوى، وهو الفيلم العاشر تقريباً والجميع متأكد أن الإدارتين الإنجليزية والفرنسية لم تأخذا هذا القرار بناءً على تعاطف وحزن وألم لمعاناة الشعب السورى المضروب بالكيماوى، ولا أن الإدارة الأمريكية عانت من قلق واضطراب عصبى وتوتر إنسانى من أجل أطفال سوريا المساكين، ولكن البلطجة الدولية واستضعاف الأمة الممزقة يغرى اللصوص المتكالبين على ثروة سوريا من الغاز الدفين.
وليس غريباً على رئيسة وزراء إنجلترا أن تخطو هذه الخطوة المشينة بعد شهور من اعتذار سلفها السيد «بلير» عن غزو العراق واعترافه بأنه لم يكن هناك نووى ولا كيماوى ولا مبرر لدمار العراق وقتل الملايين من شعبه، والأمة الممزقة التائهة لا ترد عليه بكلمة واحدة تدينه أو تحمله مسئولية ما حدث وكيف لا.. وفى هذه الأمة من فرحوا وصفقوا وباركوا سقوط صدام والعراق، وهم غافلون واثقون أن ما حدث للعراق لن يلحق بهم، وأن الخراب سيظل حكراً على العراق ولن ينتشر مثل الفيروس ليصيب الجميع.
وليس غريباً على الدول الثلاث أن يضربوا دولة مستقلة ذات سيادة، لها رئيس وبها شعب، فى وجود خيال مآتة يدعى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهم أنفسهم من سلحوا الدواعش والنصرة وأمدوهم بالأموال.. بل وهم من أشرفوا على خروجهم الآمن بالآلاف بعائلاتهم وأسلحتهم من الرقة وسهلوا لهم الوصول إلى سيناء ثم أخرجوهم من الغوطة الشرقية إلى حلب ليستأنفوا القتال ضد السوريين من موقع آخر ربما يكون بمساعدة الأتراك.
وليس غريباً أن تحتل تركيا شمال سوريا وترفع علمها عالياً تحت سمع وبصر دول العالم، التى تلفق الأفلام وتؤلف الأعذار لضرب الدول بحجة حقوق الإنسان وتقتل الشعوب لتحقق لهم الديمقراطية، لأنهم أصحاب الحق الوحيد والوكيل الوحيد للديمقراطية، ولتفنى الشعوب وتسيل الدماء وتحيا الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان بلا إنسان ولا شعوب.
وليس غريباً أن تشترك إيران مع الأمريكان فى تمثيلية العداء الساذجة، وهى تحتل بؤراً متعددة فى ربوع الأمة المأسوف على شبابها، بمساعدة ومباركة وسلاح الأمريكان، وفى نفس الوقت يلهث العرب خلف الأمريكان فى إلحاح ليرفعوا راية التهديد لإيران التى تضرب بصواريخها من الجنوب والشمال.. ولا أحد يريد أن يفهم.
وليس غريباً أن ننتظر جميعاً فى بلاهة مفرطة رد فعل من الدب الروسى على هذه الضربة الغريبة، بينما هو واضح للجميع أن العملية قد تمت بالاتفاق التام والرضا الكامل بين الروس والأمريكان، وأن العداء العلنى والتراشق والتلاسن ما هو إلا غطاء لتمثيلية مستفزة، وأنه لا فرق هناك بين بوتين وترامب وكل يرعى مصالحه ويمزق فى جسد سوريا والحليف مستقر فى قواعده العسكرية ليحمى خطوط الغاز ليس أكثر.. كل هذا العبث ليس غريباً فى عالمنا هذه الأيام، ولكن ربما يكون الغريب أن يكون الصوت الأعلى فى سوريا هو صوت جبهة العملاء من النصرة إلى الدواعش إلى الجيش الحر إلى المعارضة المسلحة، وأن يتسيدوا المشهد برعاية الثلاثى المعتدى وأن نسمع دائماً أنهم سيكونون شركاء فى المفاوضات السلمية من أجل حل المشكلة السورية، وفى نفس الوقت لا نرى الشعب السورى الحقيقى سوى مهاجراً أو نازحاً.. ليس له صوت.. ليس له وجود إلا مؤخراً عندما رأينا بعض المظاهرات فى دمشق احتجاجاً على البلطجة الثلاثية.
والغريب جداً أن نعرف أن بعض الدول العربية قد دفعت الأموال للثلاثى إياه لضرب سوريا.. والثلاثى اتفق مع الروس الذين بدورهم حذروا الإدارة فى سوريا فأفرغت المواقع المزمع ضربها مسبقاً وتمت التمثيلية وضاعت أموال العرب هباءً فى عملية نصب من نوعية «السنيورة فين».
والأغرب والأعجب أن نسمع أن بعض الدول العربية أيضاً أبدت استعداداً للمشاركة فى سوريا بقوات عربية..!!! وقريباً سوف نرى العرب يقتلون بعضهم البعض بالفعل، بعد أن رأيناهم يقتلون بعضهم البعض بالوكالة والدولارات والمرتزقة، بعد كل هذا العبث والتناقض نرى قمة عربية تخيلنا أنها ستدلى ببيان نارى عن ضرب سوريا، وخابت الظنون كالعادة، ولولا كلمة الرئيس السيسى التى وضعت كل النقاط على الحروف لكان اجتماعاً هزلياً كعادة اجتماعات العرب لا يقدم ولا يؤخر، ماذا يضير الأمة لو أُغلقت هذه الجامعة التى لم تقم بأى دور يفيد العرب منذ إنشائها وحتى يومنا هذا.. سنوفر الأموال والمصاريف والسفر والاجتماعات والتصوير والبيانات الهزلية، وأيضاً سنتجنب الإحباط والشعور بالفشل والعجز العربى الذى وصل هذه الأيام إلى أقصى درجاته.