الأسطى أسماء: «شربت الصنعة على إيد والدى»
«أسماء» وهى تعمل بورشتها
على مدى 20 عاماً تحدت أسماء السيد على، 27 عاماً، العادات والضغوط الاجتماعية بقريتها التابعة لمركز «أولاد صقر»، لتمارس مهنة «حدادة سوست السيارات»، رغم صعوبتها واقتصار ممارستها على الرجال فقط، لكن بنت قرية «الصوفية» ترفع مجدداً شعار «البنت زى الولد» وتدافع به عن اختيارها وتمارس مهنتها بتحدٍ وثبات.
مع دقات الساعة 6 صباح كل يوم تستيقظ «أسماء» لتتناول طعام الإفطار مع والديها، ثم تسارع بالخروج من المنزل، وتسير أمتاراً على قدميها وصولاً لمدخل قريتها «الصوفية» لتستقل سيارة نصف نقل -وسيلة المواصلات المتوافرة بالقرية- لتتوجه إلى مقر ورشة أبيها بمدينة «أولاد صقر»، لتفتح الباب بادئة يومها العملى بالدعاء أن يوفقها الله عز وجل.
وتقول «أسماء» بابتسامة علت شفتيها: «أحرص على الحضور للورشة مبكراً، وزى الناس ما بتقول الرزق يحب الخفية، وأبدأ تجهيز أدوات عملى وإصلاح ما يوجد فى الورشة من سيارات أو الاستعداد لاستقبال زبائن جدد». وتابعت الفتاة العشرينية القول: «أول ما فتحت عنيا على الدنيا وبدأت أمشى رافقت والدى فى الذهاب للورشة يومياً وكنت أقضى معه معظم الوقت تقريباً، وكان عمرى 3 سنوات، وتدريجياً تعلمت الصنعة وشربتها على إيد أبويا». وتشير إلى أن لديها شقيقة كبرى وأخاً يصغرها بـ6 سنوات إلا أنها هى التى تعلمت الحرفة واستمرت فيها، وأكملت: «أختى كانت بتتعلم معايا وتشتغل فى الورشة حتى أنهت تعليمها بالمرحلة الإعدادية والتحقت بمدرسة التجارة الثانوية الفنية وفضلت ترك العمل والاكتفاء بالدراسة ثم الزواج والتفرغ لتربية أبنائها، أما شقيقى ففضل العمل فى مهنة أخرى لعدم قدرته على استيعاب مهام ومتطلبات المهنة».
واستكملت الفتاة حديثها وهى تباشر عملها وسط معدات الورشة التى تقع على طريق عام بمدينة «أولاد صقر» على مساحة 6 أمتار، حيث وقفت فى منتصفها ممسكة بقطعة حديدية تسمى بـ«ورق السوست» وتطرق عليها بمرزبة لإعدادها لإصلاح إحدى السيارات المتوقفة أمام الورشة. وتوضح أن «وزن المرزبة يبلغ نحو 7 أو 8 كيلو ورغم ثقلها فإنها تستطيع الإمساك بها بمهارة لأنها تعودت على حملها منذ صغرها».
وعن الصعوبات التى تواجهها تقول الفتاة العشرينية: «الشغلانة دى صعبة وخطر فى نفس الوقت، خاصة إننا بنستخدم أدوات ثقيلة وصاروخ ولحام وأسطوانة غاز إذا انفجرت ستؤدى إلى أضرار كارثية»، وتابعت: «ربنا بيسترها دايماً وكلنا عايشين بستر الله وتوفيقه».
وأرجعت «الفتاة»، التى تتصبب عرقاً أثناء العمل، سارعت لمسحه بيدها، رغبتها فى مساندة والدها قائلة: «منذ كنت طفلة عمرى 12 عاماً أصيب والدى بمرض تليف فى الكبد أثر بشكل سلبى على قدرته على العمل بشكل منتظم ومن هنا بدأت أنتظم فى العمل بشكل يومى ويساعدنى أحد العمال بالورشة»، وتابعت: «أبويا راجل غلبان وحقه عليا أساعده وماتخلاش عنه».
وأشارت إلى أن عملها اليومى يبدأ من السابعة، حتى أذان المغرب، وفى حالة وجود سيارات كثيرة تحتاج إلى تصليح تواصل عملها حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى، ثم تعود ووالدها إلى منزلهما الذى يبعد مسافة تقدر بنحو 3 كيلومترات عن الورشة، لافتة إلى أن والدتها سناء الدسوقى محمد أحمد عوض، 48 عاماً، تتحمل مسئولية القيام بمهام المنزل وإعداد الطعام لها ولوالدها عند عودتهما من العمل.
ويضيف السيد السيد على، 58 عاماً، والد «أسماء»، أن محل إقامة الأسرة الأصلى فى دكرنس، وله 8 أشقاء وتوفى والده عندما كان عمره 7 سنوات فالتحق بالعمل فى ورشة حدادة سوست السيارات بورشة زوج خالته، وبعد بلوغه 22 عاماً تزوج وتوجه للإقامة بمحافظة الشرقية برفقة زوجته وأبنائه وافتتح ورشة حدادة لسوست السيارات، مشيراً إلى أن الورشة مؤجرة بمنزل أحد الأهالى مقابل قيمة إيجارية 300 أو 400 جنيه شهرياً، لافتاً إلى أن صاحب المنزل يعلم بظروف مرضه وارتفاع تكلفة علاجه فتهاون معه فى تحديد قيمة الإيجار.
وتابع قائلاً إن ابنته «أسماء» هى أساس العمل فى الورشة، خاصة أنه لا يستطيع أن يوجد طوال الوقت فى الورشة، وأكد قائلاً: «البنت بميت راجل وفى أحيان كثيرة تكون أفضل من الذكور»، وطالب المجتمع فى الريف بالتخلى عن نظرته القاصرة للفتاة باقتصار حياتها على الزواج والإنجاب فحسب، لافتاً إلى أنه يتردد على الورشة زبائن من القاهرة والإسماعيلية والعاشر من رمضان لعلمهم بما تمتاز به ابنته من مهارة وإتقان للحرفة، مشيراً إلى أنها تستغرق نحو 5 أو 6 ساعات لإصلاح السيارة لضمان جودة الإصلاحات والقضاء على أى عيوب فنية، فيما يتم عمل الإصلاحات فى ورش أخرى فى وقت يتراوح بين نصف الساعة والساعة على الأكثر.
اقرأ أيضًا:
جولة فى المحافظات الشرقية.. الأصيلة
«القراموص» حارسة «البردى».. قرية أحيت زراعة «أوراق الفراعنة» بعد اندثارها
البسايسة.. مركز إشعاع الطاقة الشمسية
صان الحجر.. غابة المسلات والأسوار الأثرية
تل بسطة.. هنا القطة «باستيت» التى كانت تُسكت بكاء الأطفال بـ«الشخليلة»
منزل عبدالحليم حافظ.. قِبلة محبيه و«لو كان مهجوراً»
زراعة الورد فى «العدلية».. حالة عشق وراثية قبل التجارة
سادات قريش.. أول مسجد فى أفريقيا.. قِبلة الأهالى فى الأفراح والجنازات
«الصديقان».. آخر «صنايعية الحصير» يصارعان لبقاء المهنة
متحف «عرابى» مقلب قمامة كريه الرائحة بفعل الزمن والإهمال
أرض الخيول الأصيلة.. شعارها «حصان جامح»
سوق مواشى «ديرب نجم»: بؤرة تلوث ومرتع مخدرات ومطالب شعبية بنقله
سكان «اجتماعى العاشر»: «أملنا اتحقق بشقة فى مكان نضيف»