سلمان إسماعيل يكتب: نستحقه
سلمان إسماعيل
عندما أتيحت لى الفرصة لأكتب مقالاً حول تجربتى مع جريدة «الوطن» الحبيبة، فى إطار الاحتفال بمرور 6 سنوات على انطلاقها، تذكرت كيف كنت أترقب بشغف فى 2012 مقالات كبار الكتاب الذين تستكتبهم هذه الجريدة الناشئة، وقد كنت حينها طالباً بالمرحلة الثانوية، أستعد لدراسة الإعلام فيما بعد بجامعة أسيوط.
تذكرت أيضاً كيف ارتسمت علامات خيبة الأمل على وجهى عندما علمت أن لوائح كلية الآداب بجامعة أسيوط لا تقبل التحاق ذوى الإعاقات بقسم الإعلام، ليمر نصف التيرم الأول كقرن؛ قبل أن تخرج الدكتورة أميمة عمران، رئيسة القسم آنذاك، وتتخطى اللائحة لتمنحنى فرصة، ومرت السنوات الأربع لا يُداعب مخيلتى فيها سوى حلم الانضمام لهذا الكيان الذى أسرنى شعاره: «قوته فى ناسه».
كنت محاطاً بمجموعة من مرضى انعدام الطموح، الذين راحوا يصورون الأمر كمعجزة فى زمن انتهاء المعجزات، حتى إن كاتباً صحفياً من المفترض أنه كبير ويعمل فى مؤسسة كبيرة، قال لى: «فى هذا التوقيت عليك أن تجد واسطة لتلتحق بأى مؤسسة، قومية كانت أو خاصة». تركتُ كلماته المعيقة تلك على مقاعد مقهى غزال بوسط القاهرة قبل أن تشوش على حلمى الذى تركت قريتى الهانئة المطمئنة فى مجاهل الصعيد سعياً وراءه.
أربعة أشهر مرت، بعدها أنهيت خلالها بعض الأمور الخاصة بانتقالى لـ«قاهرة الدنيا»، لألتقى للمرة الأولى بـ«رضوان»، ممسكاً بمفاتيح الجنة التى سعيت واجتهدت إلى أن دخلتها، وكان «رضوانى» هذا هو الكاتب الصحفى أحمد الخطيب، الرئيس السابق للقسم السياسى بالجريدة، الذى جمعتنى به الأقدار فى الطابق السابع من مبنى «السعادة» فى شارع مصدق، بدون سابق ميعاد ولا معرفة.
أيام قليلة وتلقفتنى منه واحدة من مسببات السعادة والبهجة فى نفوس الزملاء كافة، هى الزميلة والمُعلمة الأولى هدى رشوان، التى أمسكت بيدى وآمنت بى حتى إننى ورثت ملفها فيما بعد، وهى التى لم تتوقف عن القول: «الواد ده بيمثل إنه مُعاق والعكازين دول ديكور، وأنا واثقة إنه هينجح هنا».
وها هى ثمانية عشر شهراً قد مضت على وجودى فى واحدة من أثرى المدارس الصحفية، خطوت فيها أولى خطواتى فى المهنة، وخلقتُ خلالها شبكة من علاقات الصداقة التى ستبقى إلى أن نفنى، مُصغياً بأدب التلميذ إلى نصائح رؤسائى، وزملائى الأكثر خبرة منى.
فى بيئة مثل التى أتحدث عنها، وتحت قيادة رئيس التحرير الأستاذ محمود مسلم لا يقتصر دوره على اختيار الأخبار التى تتصدر الصفحة الأولى وترحيل الباقى إلى الخلف، قائد يراجع مع محررى الجريدة ومتدربيها عنوان خبر صغير قبل رفعه للموقع، وبين زملاء ورؤساء أقسام على مستوى عالٍ من المهنية والخبرة والكفاءة، «حرى بك أن تتعلم لتبدع»، هكذا قلت وأقول لنفسى دائماً، لأنه وبحق «وطن نستحقه».