أحمد عنتر يكتب: «فيها حاجة حلوة»
أحمد عنتر
«الوطن».. ذلك الحلم الذى بقى رغم تعسف بقية الأحلام.. عندما دخلت المبنى القابع فى شارع محيى الدين أبوالعز للمرة الأولى قبل ما يقارب الخمس سنوات هالتنى سرعة البشر داخله.. مشية منضبطة من الجميع بلا توتر ألبستنى ثياب الجدية، لكنى لم أكن أدرك وقتها أنى سأصنع تاريخى من ثوب الوطن نفسه، كانت تلك المشاعر قبل أن تتداركنى المعرفة ويدركنى التعلم وأتعبد فى صرح «العلوم الصحفية».
فى مكتب زجاجى على حافة المبنى العتيق بدأت مهمتى محرراً صغيراً فى قسم «التوك شو».
سعادتى كانت قوية بتقدير الناس لما أصنع، وكان تفاؤلى كبيراً بهذا «الوطن»، كنت وقتها لا أسعى إلى أى شىء إلا أن يرى منى «الوطن» خيراً، عرفاناً منى باحتضانه لموهبتى وصبره على تعلمى وأخطائى، ظللت أتلقى المعرفة حتى أصبح قلبى متماهياً مع الوطن وشعاره القوى، وأصبح «الجورنال الكبير» منى وأنا منه.
عملت مع مجدى الجلاد والدكتور محمود خليل، وعلاء الغطريفى وهيثم دبور ومحمود الكردوسى ومحمود مسلم، جاءت صناعة هؤلاء للخبر على عينى، فكنت أتلقف منهم، أو عبرهم، التوجيه الإدارى لا لأنفذه فقط، ولكن لأتعلم منه أن الصحافة «مهنة صعبة» لن أصل فيها إلى ما أرجوه إلا مع مثابرة أشد وأحلام تتسع.. تعلمت الحكمة الأكبر من السعى فى ركاب كبار المهنة، لكنى تعلمت كذلك أن أحتمل سخف المتسلقين عليها، وحفظت لهؤلاء جميعاً جميل ما وضعوه فى روحى من إصرار ومهنية ومثابرة.
محمود مسلم، رئيس تحرير «الوطن» الحالى، كان وحده فوق الجميع تقديراً لى، أحسب أنه كان مؤمناً بموهبتى وكان حاضناً لها كغيرها من المواهب فى الصرح الكبير، منذ أول مقال كتبته فى أحد المواقع، وأوصى بى خيراً وقتها، لكنى تعلمت من مسلم شيئاً أعمق من أبوته الظاهرة، تعلمت منه ألا أحابى الجهلاء وأن أنتصر للعمل والاجتهاد والمهنية على كل ما سواها، القانون دائماً كان الكلمة التى يحافظ مسلم على ذكرها لحماية الشعار الراقى للمؤسسة العريقة «الوطن قوته فى ناسه».. قانون العمل الذى يحمى المهنة ولا يتعالى عليها أو ينتقص من حقوق ممارسيها.
عشت مع «الوطن» وسأعيش حتى أنهى فيها المسيرة، لكنى أرجو من الله أن يوفقنى أن أكون داعماً لشعارها الأكبر «قوته فى ناسه».