في بيوت الله| "أحمد بن طولون".. اسم شهد رمضان مولده سلطانا ومسجدا
مسجد أحمد بن طولون
لم تتغيَّر ملامحه منذ أن أمر السلطان أحمد بن طولون ببنائه، فأصبح نموذجًا فريدًا في تاريخ العمارة الإسلامية، فهو ثالث المساجد في تاريخ القاهرة، ودليل قوي على ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية، يغلب عليه طراز مدينة سامراء حيث المئذنة الملوية المدرجة، كأقدم مئذنة في مصر، ثم في عهد الأيوبيين أصبح المسجد أقدم مدرسة تُدرَّس فيه المذاهب الفقهية الأربعة، وكذلك الحديث والطب إلي جانب تعليم الأيتام.
اشتكى الناس لـ"ابن طولون" من ضيق مسجد جامع العسكر، الذي زال بزوال مدينة العسكر التي كانت تشغل حيَّ زين العابدين "المدبح حاليًّا"، فأمر ببناء مسجد آخر بلغت مساحته ستة أفدنة ونصف، عام 263هـ - 876م، واكتمل بناؤه عام 265هـ - 879م، وله مئذنة ميَّزته عن الكثير من مساجد القاهرة الإسلامية منذ العهد الفاطمي، تتألَّف من قاعدة مربعة تقوم عليها ساق أسطوانية يلتف حولها من الخارج سلم دائري لولبي عرضه 90 سم.
السلطان أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية، ولد في بغداد في 23 رمضان 220 هـ، وتلقى تعليمه العسكري والديني بها، لفت الأنظار إليه بعلمه وشجاعته، وأدخل الوالي العباسي "المعتصم"، الأتراك إلى عصب الدولة العباسية، وولاهم معظم المناصب الكبرى، وأصبح "باكباك التركي" الذي كان زوجًا لأم أحمد بن طولون، واليًا على مصر، ثم تولى الوالي "التركي برقوق"، الذي كان أبًا لزوجة ابن طولون، وأناب كل منهما ابن طولون للقيام بأمر مصر، فأصبح واليًا عليها في سنة 254هـ، كما عُيِّن واليًا على الشام بعد ذلك بخمسة أعوام، حتى أعلن دولة مستقلة، وتعاقبت أسرته على حكمها لثمانية وثلاثين عامًا، فأقام دولة قوية، ولا يزال مسجده الكبير شاهدًا على ما بلغته دولته من رقي وتقدم.
مسجد تميَّز ببساطة المعمار، فجهاته الأربع تمتاز بأن ليس بها أي من أنواع الزخرف، صف من الشبابيك المفرَّغة المتنوِّعة الأشكال والمختلفة العهود، وأمام كل باب من أبواب الجامع، يوجد باب في السور الخارجي، بالإضافة إلى باب صغير فتح في جدار القبلة، وكان يؤدى إلى دار الإمارة التي أنشأها أحمد بن طولون في شرق الجامع.
وبنى هذا المسجد مهندس قبطى يدعى سعيد بن كاتب الفرغاني، قال له بن طولون "أريد مسجدًا إذا احترقت مصر بقي وإذا غرقت بقي"، وحقق القبطي طلب ابن طولون، لأن بناء المسجد مقاوم للنيران ولمياه الفيضان، وحين غزت الدولة العباسية مصر في أواخر عهد الطولونيين لم يبقَ من مصر سوى هذا المسجد، واستمر بناء الجامع لمدة عامين كاملين، وافتتح للصلاة يوم الجمعة 12 رمضان سنة 265هـ، فكان يومًا مشهودًا حضره العلماء والفقهاء والأعيان، وتصدَّق فيه ابن طولون بأموال كثيرة.