«الغوابين» قرية «صناعة الغاب» لا تعرف البطالة
«الغوابين» قرية «صناعة الغاب» لا تعرف البطالة
البيوت بسيطة لا يزيد ارتفاعها على طابقين، مبنية بالطوب الأحمر، وأمام البيوت وحولها تتناثر أعواد «البوص» ومجموعة من السدد المتراصة بجوار بعضها، السيدات والرجال يقفون تحت المنازل، بجانبهم أعواد «البوص».. هكذا تبدو قرية الغوابين، التابعة لمركز فارسكور، وهى القرية التى لا تعرف «البطالة»، وأشهر قرى مصر فى صناعة «الغاب»، لأن كل من يعيشون فيها يعملون ليلاً ونهاراً.
بعباءة وطرحة، وقفت سعاد مصطفى، 40 عاماً، أمامها «سدة» تقوم بصناعتها، وبجوارها جارتها، التى تعاونها فى صناعة السدد، قائلة: «جارتى لما بتكون فاضية بتيجى تساعدنى فى الشغل، جزء كبير من حياتى قضيته فى صناعة السدد، من يوم ما وعيت على الدنيا وأنا شايفة أبويا وجدودى شغالين الشغلانة دى، ولما بدأت أكبر شوية، بقيت أساعدهم، واتعلمت منهم الصنعة دى، صناعة «الغاب» هى الصناعة الأشهر بالقرية، حيث يعمل بها الجميع، مفيش حد فى القرية ما بيشتغلش فى البوص، كل الناس دى شغلانتهم الوحيدة»، وواصلت «سعاد» حديثها بالقول: «لم تفرق هذه الصناعة بين الرجل والمرأة، ولا بين الصغير والكبير، فكل فرد فى القرية له عمله الخاص به، هنا كل الناس بتشتغل، مفيش بيت يكون فيه حد ما بيساعدش فى الشغل، كل واحد ليه شغلانته».
«عبداللطيف»: الشغلانة مش هتستمر كتير عشان البوص بيقل كل سنة عن اللى قبلها
حديث «سعاد» لم يوقفها عن مواصلة العمل، فهى تتحدث وتعمل فى آن واحد، ممسكة فى يدها أعواد البوص، ترصها واحداً تلو الآخر، وتقوم بربطها بالحبال، التى تصنعها من «قش» الأرز، مضيفة: «كل حاجة هنا بنعملها بنفسنا، من أول ما نشترى الغاب، لحد ما نطلعها سدد جاهزة، الحبال اللى مربطينها على الحجر دى، بنعملها من قش الأرز، عشان نربط بيها البوص، وهناك أنواع من «الغاب» تختلف فى مصدرها وسعرها وجودتها، فيوجد نوع «ريحى» وهو أرخص نوع، وهناك نوع آخر وهو «البلدى» وهو أغلى نوع: «الريحى بيكون حجمه أكبر من البلدى، لكن سعره أقل، يعنى ممكن العربية تكون بـ200 جنيه أو أكتر بالنسبة للبلدى، وزباين السد فى الغالب هم من أصحاب المزارع»، وأضافت «سعاد» أن أسعار السدد تتراوح بين 10 و20 جنيهاً، حسب حجم «السدة» وكمية البوص الموجود بها. نصف ساعة، هى المدة التى تستغرقها «سعاد» فى صناعة «السدة» الواحدة، وتستطيع عمل أكثر من «سدة» فى اليوم الواحد، وتابعت: «وبنزل أشتغل من الصبح بدرى، لحد آخر النهار، والمشكلة الوحيدة اللى بتقابلنا هى إننا نشترى البوص، وحد تانى ييجى يشتريه بسعر أعلى من سعرنا».
على «تروسيكل» عاد الأربعينى، محمدعبداللطيف، من عمله الذى يبعد خطوات عن بيته بالقرية، بملابس مهندمة، وشال أبيض لفه حول رأسه، وملامح يكسوها الشيب بعض الشىء،
عمل «عبداللطيف» فى صناعة «الغاب»، لم يكن غريباً عليه، فهو توارثه أباً عن جد، على حد قوله: «طول عمرى وأنا شغال فى البوص، زى ما أبويا علمنى من صغرى والبحيرات والشواطئ هم مصدرنا للحصول على «الغاب»، ونقوم بشرائه بالنقلة». تحرك «عبداللطيف» بضع خطوات، وأشار إلى عدد من أعواد الغاب، التى تستند على جدران منزله من الخارج، قائلاً: «ده غاب ريحى، لونه أخضر، وده غاب بلدى، لونه أصفر، وأرفع من الريحى، وتستخدم «سدد» الغاب فى تكعيب العنب، وتعريش البيوت».
«سعاد»: «ورثتها عن أبويا وجدودى وما باخدش وقت فى صناعة السدة».. و«مفيدة»: البيع قل شوية بسبب الغلاء
10 دقائق هى كل الوقت الذى يحتاجه «عبداللطيف» لصناعة «السدة الواحدة»، بسبب تعوده على هذه الصناعة منذ صغره، وتابع «الشغلانة مش هتستمر كتير، البوص بيقل كل سنة عن اللى قبلها، وما بقتش مضمونة زى الأول، لأن الفلاحين بياخدوا البوص من على الشواطئ».
على بعد أمتار قليلة من موقف «فارسكور»، وبين عدد كبير من البيوت الموجودة بالقرية، وقفت مفيدة عبدربه، بوجه مستدير، يكسوه الاحمرار من شدة الحرارة، بعباءة وخمار مطرز، أمام بيت ابنتها، المكون من طابقين، كأغلب بيوت القرية، استقرت أمامها السدة التى تصنعها، وبجوارها من جهة اليسار أعواد كثيرة من «البوص»، ومن الجهة الأخرى ابنتها، التى تشبهها كثيراً فى الملامح، تعاونان بعضهما البعض، لكى يصنعا عدداً كبيراً من «السدد».
35 عاماً، هى عدد السنين التى عملت بها «مفيدة» فى صناعة «الغاب»، وهذه المدة جعلتها تعتاد على صنع «السدد» بسرعة أكبر ومهارة أعلى.
يبدأ عمل «مفيدة» منذ الخامسة صباحاً، حتى المغرب، على حد قولها: «من 5 الصبح وإحنا بننزل قدام البيت ونبدأ نشتغل، والضهر بنطلع نحضر الغدا، وعلى العصر ننزل نكمل لحد المغرب».
هذه المهنة تكفى لعيش «مفيدة» حياة كريمة، وتساعد زوجها فى مصاريف البيت: «الحمد لله الدنيا ماشية، بس البيع بقى أقل شوية عن زمان، بسبب الغلاء، أنا باشتغل وباخد أجرتى آخر الأسبوع».
سيدات قضين حياتهن كاملة فى صناعة البوص