السينما.. تاريخ طويل من حلم «العالمية» إلى أفلام «السبكية»
عبر أكثر من 100 عام استطاعت السينما المصرية أن تصنع لنفسها مكانة فنية راقية فى الأوساط الفنية العالمية، بل وصنفت على أنها الأكثر إنتاجاً سينمائياً بين دول الشرق الأوسط، ولأن السينما هى مرآة لواقع المجتمعات، وتسجيل لتاريخها، فكان من الطبيعى أن تمتلئ المكتبة السينمائية المصرية عن آخرها بأفلام وثّقت الأحداث التاريخية، والسياسية، والاجتماعية التى مرت بها مصر عبر أكثر من قرن مضى، وعلى الرغم من أن مصر تعيش منذ أكثر من عامين حالة ثورية، فإن نظرة عابرة إلى الأفلام السينمائية الموجودة على الساحة الفنية الآن تؤكد أن خللاً كبيراً أصاب الفن المصرى.
نظرة إلى الوراء أخذنا خلالها المؤرخ الفنى محمود قاسم، متحدثاً عن زمن الفن الجميل وعن دوره فى تسجيل تاريخ مصر بالصوت والصورة، قائلاً: السينما المصرية دائماً ما كانت ملتزمة بما يحدث فى المجتمع من تغيرات، فلو شاهدنا فيلماً مثل «الوردة البيضاء» الذى عرض فى الثلاثينات أو فيلم «حياة أو موت» فى الخمسينات سنشاهد شوارع مصر، وريفها، وحواريها كما كانت فى هذا الوقت، حتى ملابس المواطنين، وطريقة حديثهم، والموضوعات التى كانوا يهتمون بها، كل هذا تنقله الأفلام من الواقع، فالسينما دائماً مرآة للمجتمع، بل ونجد أيضاً أنها جسدت فترات مهمة فى تاريخ مصر، فعندما حدثت نكسة 1967 توقفت دور السينما عن عرض الأفلام لعدة أيام ولكن المصريين لم يتحملوا هذا الأمر كثيراً، لذا عادت السينما للعمل من جديد.
ويضيف: فى هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر أنتجت السينما نوعين من الأفلام؛ الأول أفلام أستطيع أن أقول عنها إنها غير جادة وهزلية معظمها كان بطولة فؤاد المهندس مثل «سفاح النساء، وشنبو فى المصيدة، وأرض النفاق»، لكن لم يلبث أن اتجه المنتجون بعدها إلى الانشغال بالهمّ العام لمصر فظهر نوع ثان من الأفلام مثل «ثرثرة فوق النيل»، و«العصفور»، و«أغنية على الممر»، فلم يكن الشعب قادراً حينها على تحمل أفلام هزلية أكثر من ذلك وكان لا بد للأفلام الجادة التى ترفع من الروح المعنوية للشعب المصرى بعد النكسة.[FirstQuote]
كثير من النقاد الفنيين يرون أن فترتى الثمانينات، والتسعينات كانتا بمثابة قمة الانتشار بالنسبة لما يعرف بأفلام المقاولات، التى يعرفها البعض منهم على أنها أفلام الدرجة الثانية التى كان أبطالها نجوم الدرجة الثانية حينها، بل ويروون وفق كتابات البعض منهم فى هذا الشأن أنها عبارة عن أفلام كانت معدة خصيصاً لتعبأ فى شرائط فيديو، وتصدّر للخليج فى تلك الفترة التى انتشر فيها سفر المصريين للعمل هناك.[SecondImage]
يقول «قاسم» عن تلك الأفلام: لا يمكننى أن أقارن بين تلك الأفلام والأخرى التى تعرض الآن فى السينما المصرية، فالأولى تذكرنى بمقاول بناء عمل خلطة من الطوب والأسمنت والماء لبناء عمارة وبعد فترة قصيرة جداً سقطت وتحولت إلى فتات، هذا بالضبط ما كان يتم مع أفلام المقاولات فهى أنتجت بتكاليف بخسة للغاية، وكان الهدف منها إثراء سوق الفيديو، وعلى الرغم من ذلك فإن أغلبيتها لم تكن تحوى مشاهد بذيئة لأن من ينتجها كان يريد أن يدخل بها البيت المصرى وأن يشاهدها كل أفراد الأسرة، ومن تلك الأفلام «أحلى من الشرف مفيش»، و«سكر بولاق»، وغيرهما.
طالما كان التأثير متبادلاً بين السينما والجمهور على مدار التاريخ.. هكذا يقول المؤرخ الفنى، فمثلاً نجد فيلماً مثل «طاقية الإخفاء» اقتبس رقصة شعبية كانت تسمى «الهيلاهوب» واستخدمت فى أغنية اشتهرت جدا فى هذا الفيلم بعد ذلك، وعلى الجانب الآخر نجد الجمهور كثيراً ما كان يتأثر بالسينما وما تقدمه خاصة الشباب لأن المرأة كانت فى أغلب الأحيان تخجل من التقليد المباشر للنجمات حينها، فعلى سبيل المثال قصة شعر عبدالحليم انتشرت كثيراً بين الشباب فى السابق، وأيضاً النجم رشدى أباظة وعمر الشريف كانا محور اهتمام شديد، وكان هناك سعى دائم من الشباب لتقليدهم لجذب الفتيات اللاتى كنّ مغرمات بهذين البطلين، وإذا ذهبنا بعيداً قليلاً عن تلك الفترة فسنجد أن قصة شعر الفنان الراحل أحمد زكى جذبت الكثير من الشباب وتسارعوا لتقليده فور عرض فيلم «كابوريا».[ThirdImage]
يتذكر «قاسم» وقت أن قامت الدنيا حينما قال الفنان يحيى شاهين لابنه فى فيلم قصر الشوق «يا ابن الكلب»، ثم يعود ليقول: أما أفلام هذه الأيام فهى تسخر من العقل وتمجد الصايع وحامل السلاح، وأنا كمؤرخ فنى لا أستطيع أن أجد لها اسماً أو تصنيفاً حتى، ولو أن الحال فى السينما سيستمر على هذا المنوال فأستطيع أن أقول وأنا مستريح البال: لعن الله هذا النوع من السينما ولعن من ينتجها ومن يشاهدها على أنها فن سينمائى، وأضاف: «ما يقدم لنا الآن عبارة عن نوع من الاستعراض الابتزازى، وإذا نظرنا إلى السينما الذى يقدمها لنا السبكى، فى آخر 10 سنوات فنجدها عبارة عن أغانٍ محشورة فى هيئة فيلم».[SecondQuote]
ويستنكر المؤرخ الفنى الحال الذى وصلت إليه السينما قائلاً: «لم نرَ حتى الآن فيلماً يوثق الحالة الثورية التى تعيشها مصر منذ ما يقرب من 3 سنوات، بل إن كل ما تقدمه عبارة عن أفلام صُورت قبل الثورة وأضيف لها بعد ذلك نهايات لتتماشى مع الأحداث، وعلى الرغم من أنى أعلم جيداً أنه من الصعب نقل الواقع إلى السينما بسبب تسارع الأحداث وتغير المواقف التى مرت بها البلاد، لكننى لا أرى فى الوقت نفسه أن هذا يعطى الحق للممثلين والمنتجين أن يستغلوا هذا الأمر فى عرض أفلام هى فى الواقع لا تتعدى كونها مشروعاً تجارياً مربحاً لهم، حتى الدولة فى هذا التوقيت الحساس التى تمر به البلاد لا تكترث بإنتاج أفلام ذات قيمة تنقل الواقع المصرى وتكتفى بإنفاق أموالها على المهرجانات، وتترك الساحة لبعض المنتجين مثل السبكى لعرض هذه النوعية من الأفلام التى يتعرض لها شبابنا ويتأثرون بها بشكل كبير.
أخبار متعلقة :
علم النفس والاجتماع يقول لكم: أفلام «ما بعد 25 يناير» ترسخ العنف.. وتهدم المجتمع
على أبوشادى: هوجة الأفلام الجديدة تحتاج إلى «رقيب صايع»
سكان العشوائيات: «مش كفاية اللى إحنا فيه هتخلونا تسليتكم فى العيد كمان؟»
الناقدة خيرية البشلاوى: المنتج وجد من يشترى «بضاعته».. فتمادى فى عرضها
السينما.. تاريخ طويل من حلم «العالمية» إلى أفلام «السبكية»
أفلام العيد.. «زمن الفن القبيح»