مدبولي:«بلوغ سن المعاش» سيخفض الأعداد الحالية بالجهاز الإداري بنسبة 38% خلال 10 سنوات.. ولا تعيينات جديدة إلا بمسابقة في الاحتياجات الضرورية
حوار رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي مع الكاتبة دينا عبدالفتاح
الحراك الذى تعيشه مصر الآن يعد محيراً بكل المقاييس، ويخلق حالة من التساؤلات بين جميع أطراف المجتمع، بعض هذه التساؤلات تنطلق من مبدأ الحرص على المشاركة وخلق دور إيجابى فى مرحلة التغيير والتطوّر التى يعيشها الوطن الآن.
بينما تساؤلات أخرى مفادها التشكيك والتقليل مما يحدث، ليس هذا وحسب، بل تستهدف الإسقاط السلبى الهادف إلى تقويض الثقة فى الخطوات التصحيحية التى تستهدف استعادة شمولية مؤسسات الدولة.
بينما تبرز تساؤلات أخرى مبعثها اليأس وعدم القدرة على تحديد ملامح الطريق نتيجة لعدم الفهم الكافى لما يقع من أحداث. وفى حقيقة الأمر المتابع عن كثب لما يدور فى مصر الآن والمحلل للإجراءات والقرارات الراهنة من حقه أن يشعر بالدهشة.
أولاً لجرأة وثبات القرارات، ثانياً لسرعة ترتيبها وفقاً لجداول زمنية محددة مسبقاً، ثالثاً لعدم مراعاتها مبدأ الحفاظ على الشعبية والإجماع الجماهيرى عليها، مثلما كان يفعل القادة السياسيون فى مصر على مدار عقود طويلة مضت.
والآن وبعد أن بدأنا فترة رئاسة ثانية للرئيس عبدالفتاح السيسى وتشكلت إدارة سلطة تنفيذية جديدة ممثلةً فى حكومة رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، تنفرد «الوطن» بأول حوار صحفى لرئيس مجلس وزراء مصر الدكتور مصطفى مدبولى، من أجل وضع النقاط على الحروف للعديد من الاستفسارات ولِفهم وتحليل الخلفيات والسياسات والإجراءات التى تتخذها السلطة التنفيذية «الحكومة» الآن، وخلال فترة الأربع سنوات المقبلة.
ولأن هذه القرارات والسياسات تنعكس فى المقام الأول على المواطن المصرى كان لا بد أن نشرح طبيعة السياسات التى تتخذها الدولة خلال المرحلة القادمة، ولماذا اتخذت إجراءات معينة لم يكن وقعها علينا بالإيجابى أو المستحب؟
وماذا ينتظرنا فى المستقبل القريب؟ وكيف سنشارك فى عملية جنى الثمار؟ ونشترك مع صنّاع القرار؟
العديد من الأسئلة حملناها لرئيس وزراء مصر فى الحكومة رقم 7 بعد ثورة 25 يناير، الدكتور مصطفى مدبولى، الذى حمل حقيبة ببرنامج مكثَّف من المهام متعددة الأطراف.
ليس هذا فقط، بل خوّلت إليه مهام احتياطية من تكليفات رئيس الدولة المصرية ومستهدفات صعبة، بل من الممكن أن نصِفها بالمستحيلة فى ظل ظروف دولية ليست فقط حيادية، ولكن يمكن أن نصِفها بالسلبية.
فما نشهده من توترات فى منطقة الشرق الأوسط وانتشار للإرهاب، واهتزاز الأسواق الناشئة، والتنبؤ بحدوث أزمة مالية عالمية جديدة فى الأفق بسبب الحرب التجارية الدولية وتغيير مفاتيح اللعب، فضلاً عن أزمة الدين العالمى المتضخم.
كل هذه الأمور إذا أخذناها بعين الاعتبار الواعى بدلاً من السخرية والتنكيت والإسقاط، سنجد أنفسنا نقف منتبهين ومتسائلين: ما الذى ينتظر العالم؟ وماذا ينتظر الدولة المصرية؟
وهنا وقبل أن نبدأ هذا الحوار لا بد من إضافة واجبة بأن علينا قراءة التاريخ.. الآن، لنرى ونفهم ماذا قدمت الشعوب لتصنع الدول؟ وندرس حجم التضحيات وإجمالى الفواتير التى دُفعت من قبل شعوب مختلفة فى دول واقتصاديات نصفها الآن بأنها العالم المتقدم، ليصلوا لما هم عليه الآن!
أسئلة تغطى جميع الاهتمامات التى تخص المواطنين، محدودى الدخل، الطبقات المتوسطة، موظفى الدولة، المستثمرين، مؤسسات الدولة، الحقائب الوزارية، السياسات الاقتصادية العامة، التنسيق بين الحكومة والبنك المركزى، المشروعات القومية، الاقتصاد غير الرسمى، محاسبة المسئولين، طلاب المدارس والتعليم بمراحله المختلفة، الصحة وعلاج المرضى، السياحة والتكنولوجيا.
كل هذه المحاور تم تناولها فى حوارنا الموسّع، وإلى التفاصيل:
هل من الممكن أن نشاهد فى مصر قريباً مدناً صناعية متخصصة، أى تختص بإنتاج منتجات معينة، من أجل تعميق التخصص والتصنيع المحلى فى هذه المناطق؟
- نعمل حالياً مع وزيرَى التجارة والصناعة، وقطاع الأعمال، على تحديد الصناعات التى تستطيع مصر المنافسة فيها من خلال امتلاك مزايا نسبية فى الإنتاج، لأن هدفنا من الصناعة هو الوفاء باحتياجات السوق المحلية، وخلق منتج تصديرى قادر على اختراق السوق العالمية وجلب العملة الأجنبية للاقتصاد.
لذلك فالتوجه الحالى يقوم على التركيز على صناعات محددة نمتلك فيها ميزة تنافسية، وتشجيع وتوجيه المستثمرين على العمل فى تلك الصناعات، من خلال تقديم الحوافز التى تدفعهم إليها بشكل غير مباشر.
وتعتبر صناعة الأدوية من الصناعات التى تهتم بها الحكومة حالياً فى ضوء الأهمية النسبية لهذا القطاع، واتساع الطلب على منتجاته بشكل كبير خاصة فى السوق الأفريقية.
وهل تتواصل الدولة مع المصنّعين لإطلاعهم على تلك الخطط؟
- بالفعل فنحن نتواصل بشكل دائم مع كبار المصنعين وكذلك كبار المستثمرين فى قطاع الزراعة والسياحة والصحة ونطلع على التحديات والمشكلات التى تواجههم، مثل الأراضى، والتراخيص، وإجراءات التصدير، والتمويل، ونضع خارطة طريق لمواجهة هذه التحديات، كما نتواصل معهم بشأن الفرص والخطط الجديدة.
يشكو بعض المستثمرين من ارتفاع معدلات الفائدة بشكل كبير، ويطلبون إعادة النظر فى هذه المعدلات، فهل هناك تنسيق مع البنك المركزى المصرى فى هذا الاتجاه؟
- نعد حالياً لخطة متكاملة بالتنسيق مع البنك المركزى المصرى بشأن مستقبل عدد من المؤشرات المهمة المتشابكة فى مقدمتها الدين العام بشقَّيه المحلى والخارجى، ومعدل التضخم، وأسعار الفائدة المطبقة، وسيتم عرض سيناريوهات جديدة فى هذه الملفات على القيادة السياسية خلال الشهر الجارى، وفى ضوئها سيتم اتخاذ القرارات المناسبة. وهناك تنسيق كامل بين الحكومة والبنك المركزى فى مختلف الملفات.
ما هى محاور خطة الدولة للإصلاح الإدارى؟ وكيف يمكن للحكومة تخفيض العدد الكبير لموظفيها؟
- تمتلك الدولة خطة واضحة للإصلاح الإدارى، فلن نعود للعهود السابقة فى التعيينات الحكومية، وستكون الوظائف محدودة جداً فى مجالات معينة، وبمسابقة طبقاً للاحتياجات، وهو ما يدفع الشباب للتوجه نحو الأعمال الحرة أو المهن التى لا ترتبط بشكل مباشر بدراستهم، كما هو منتشر حول العالم باختيار الشباب تخصّصهم فى العمل بعد إنهاء مرحلة الدراسة الأساسية.
حيث جرى العرف فى مصر على أن الفرد يفضل الالتحاق بالوظائف الحكومية عقب التخرّج من الجامعات، ولكن لم تعد هناك فرص كبيرة فى الحصول على وظائف بالحكومة، وبالتالى فالشباب مطالبون بالبحث عن فرص عمل أخرى تكون أكثر إفادة لهم وللدولة بشكل عام، وأرى أن هذا الأمر سيُسهم فى تحسين مستويات الابتكار والإبداع فى سوق العمل المصرية مستقبلاً.
وتركز الخطة الإصلاحية على تخفيض عدد العاملين بالقطاع الحكومى والقضاء على ظاهرة البطالة المُقنعة من خلال بلوغ عدد من الموظفين سن المعاش التى ستسمح بخروج 38% من الموظفين الحاليين خلال 10 سنوات، وفى المقابل سيتم ترشيد دخول أعداد جديدة بما يتناسب مع الاحتياجات الحقيقية فى بعض التخصصات، الأمر الذى يقودنا للوصول بالكيان الإدارى بالدولة للحجم المأمول.
كيف تتابعون تنفيذ خطة الحكومة التى يشارك فيها عدد كبير من الوزارات والأجهزة؟
- نتابع فى رئاسة الوزراء كل التطورات المتعلقة بتنفيذ خطة الدولة على مدار الساعة، من خلال إدارات ومراكز متخصصة فى هذا الأمر، كما شكَّلنا خلال الفترة الماضية فرق عمل تضم ممثلين للعديد من الجهات المعنية، لمراقبة تنفيذ المشروعات وتطوراتها، ورصد المعوقات التى تواجهها، من أجل التغلب عليها.
كما يتم تقييم أداء كل الوزارات والأجهزة بصفة دورية للتعرف على دور كل منها فى دفع خطة التنمية بالدولة، وإزالة المعوقات التى تواجه الجماهير فى الحصول على الخدمات الحكومية المختلفة، من أجل ضمان حياة أفضل للجميع، ومستقبل أفضل لهذا الوطن.
وماذا عن الأنباء المتداولة حول زيادة أيام الإجازات بالحكومة وتغيير ساعات العمل؟
- تقتصر فكرة زيادة أيام الإجازات على دراسة مقدمة من الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، حيث تستهدف الدراسة خفض أيام العمل لبعض القطاعات فى الدولة مع الحفاظ على عدد ساعات العمل التى ينص عليها القانون، وذلك فى إطار خطة لتحقيق فاعلية الأداء والكفاءة فى الجهاز الإدارى للدولة.
كما أن تطبيق هذه الفكرة سيمكن من الحصول على وفْر فى الطاقة وتقليل الضغط على الطرق والنقل.
كما حددت الدراسة نظام المناوبات كبديل لنظام العمل الحالى القائم على التوقيت الواحد، بحيث يعمل جزء من الموظفين فى أوقات معينة، والجزء الآخر يعمل فى أوقات أخرى، بما يمكن من مد أوقات تقديم الخدمة للجمهور، وبالتالى فكل هذه الاقتراحات محل دراسة، ولم يتم اتخاذ قرار بشأن أى منها حتى الآن.
وما هى آخر التطورات بخصوص «ميكنة الخدمات الحكومية»؟
- تسعى الحكومة إلى تقليل الاحتكاك المباشر بين المواطن والموظف بقدر الإمكان، وذلك سعياً منها لتقديم خدمة أفضل للمواطن، مع تقليل ظاهرة الفساد المتفشية منذ عقود، ويحدث ذلك من خلال ميكنة أكبر عدد ممكن من الخدمات الحكومية بحيث يقتصر الاحتكاك بين المواطن والموظف على تسلّم بطاقة على سبيل المثال، بعد إتمام الخدمة بشكل كامل من خلال الهاتف المحمول عن طريق قاعدة البيانات الموحدة، ويتم العمل على هذا الملف بقوة شديدة بالتعاون مع وزارة التخطيط والإصلاح الإدارى، ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهيئة الرقابة الإدارية.
وبدأنا بالفعل فى إصدار خدمات إلكترونية مثل نظام المعاشات، ونستهدف الوصول إلى 150 خدمة مميكنة خلال الثلاث سنوات القادمة.
«ملف التعليم» عنصر مشترك فى أى تجربة تقدم.. فما هى الانطلاقة التى ستحققها الحكومة فى هذا الملف؟
- لو نظرنا إلى رؤية وزير التربية والتعليم، ووزير التعليم العالى، سنجد أن هناك نقلة نوعية كاملة ستحدث على المدى القريب فى التعليم، وبالأخص التعليم قبل الجامعى.
واعتباراً من العام الدراسى الجديد الأطفال، سواء فى مرحلة الحضانة أو الصف الأول الابتدائى سيدرسون منهجاً جديداً سعياً لتغيير منظومة التلقين والحفظ، وفتح مجال للإبداع والابتكار.
كما تم وضع مادة اللغة الإنجليزية بداية من مرحلة الحضانة وتحديث بعض الأجزاء فى اللغة العربية والرياضيات، وذلك لتعليم الطلاب طريقة سليمة فى التفكير.
ويقال دائماً إن الطفل المصرى هو أذكى أطفال العالم، ولكن طريقة التعليم التى يمارسها تؤثر سلباً على شخصيته، لذا كان يتوجب علينا أخذ بعض القرارات الصعبة لتحسين مستوى التعليم، وعلى كل الأسر فى مصر تقبّل ذلك.
كما أن الأسر مطالبة بمساندة الحكومة على إنجاح هذا النظام الجديد، من خلال متابعة أبنائهم، وتغيير بعض الثقافات التى كانت سائدة فى الماضى، مثل ارتباط الحاصلين على المجموع العالى فى الثانوية العامة بما يطلق عليه كليات القمة.
فلو كانت كل أسرة تستهدف لطفلها مستوى دخل مناسباً أو منصباً اجتماعياً رفيعاً فى المستقبل، ونظرت من حولها ستجد أن الحاصلين على الدخول العليا والمناصب الرفيعة ليسوا دائماً خريجى كليات القمة.
وماذا عن نظام الثانوية العامة الجديد؟
- سيتم تعديل نظام الثانوية العامة بداية من هذا العام 2018/2019 وسيتم تطبيق نظام الامتحانات الدورية ابتداء من أولى ثانوى، وذلك النظام يحل بعض مشكلات النظام القديم نظراً لعدم ربطه مصير الطلاب بامتحانات نهاية الفصل أو العام الدراسى، حيث سيتم تقدير مستوى الطالب تراكمياً على مدار الفصول الدراسية المختلفة، وفى النهاية سيتم تحديد متوسط لدرجة الطلاب فى جميع الامتحانات التى دخلها، وبذلك يضمن هذا النظام تقويماً صحيحاً للطالب، ومساعدته على اختيار التخصص الذى يرغب فى دراسته خلال مرحلة الجامعة.
كما سيتم الاعتماد فى التعليم على بعض الطرق الحديثة التى لا تعتمد فقط على الكتب الدراسية، ولكن أيضاً على التعليم الإلكترونى من خلال التابلت والشاشات الذكية والشبكات فى المدارس، والبحث على الإنترنت وبنك المعرفة الذى سيكون متاحاً خلال الامتحانات نظراً لاعتمادها على الفهم.
وهل تم تجهيز المدارس لاستخدام هذه التقنيات؟
- جارٍ حالياً العمل على تنفيذ البنية الأساسية للمدارس وتوصيل الشبكات الإلكترونية، وشبكة «الواى فاى»، ومن المتوقع إنهاء تجهيز أول دفعة من المدارس بحلول شهر أكتوبر القادم، كما سيتم الانتهاء بشكل كامل من جميع المدارس خلال يناير المقبل، لذلك ستكون الدراسة بالشكل التقليدى خلال الفصل الدراسى الأول من العام الجديد بالصف الأول الثانوى.
وسيتم تسليم كل طالب فى مرحلة الثانوية العامة «تابلت» سعره يتراوح بين 2500 و3000 جنيه، من أجل استخدامه فى العملية التعليمية، على أن يكون هذا الجهاز مسئولية الطالب فى حالة تلفه أو فقدانه.