وأقصد بـ«بين قوسين» نصاً محدداً قاطعاً مغلقاً مقفولاً دون حجة أو زيادة أو نقصان أو مبرر أو مخفف أو ذريعة أو عذر أو دافع، لدفع الذنب والجرم عن المتحرش.. «تجريم التحرش بالأنثى» ونغلق عليها القوس، دون البحث عن مقدمة، أو افتعال سبب تشارك به الأنثى المتحرش فعلته وتتقاسمها معه، أو ترفع عنه وزناً من حمله الثقيل وربما ترفعه كله عنه، أو تحمل عنه الوزر كله أو بعضه، عن لبس المرأة مفتوحاً أو مقطوعاً أو قصيراً، أو زينتها ولون العينين والشفتين ورسم الحواجب، أو تبرجها ومدى سفورها والمكشوف من جسدها، أو دينها من دين الأقلية المغلوبة على أمرها أو الأكثرية المتعالية المفضلة، أو مَن كان برفقتها رجل غريب أو قريب، أو مكان التحرش مأهولاً وعامراً أو مقفراً ومهجوراً، ووقته وأوانه ليلاً أو نهاراً. كل هذه الحجج خارج القوس تماماً، بل خارج النص المعمول به، ولا يتملص بها ولا يتخلص منها المتحرش. هو فعل دون مبرر أو عذر أو ذريعة أو حجة، حتى لو كان العذر والحجة أمام الرجل عريها، ودينها، وتسير ليلاً فى طريق خرب ومقطوع كل هذا دفعة واحدة، كل هذا خارج النص، فلا عذر للمتحرش تحت أى عنوان، ولا مجال للمتحرش أو وكيله فى البحث عن سبب أو دافع أو تبرير يرفع عن المتحرش جريمته أو يخفف عنه فعلته. لا دخل لنا بكل هذا، من تحرش بأنثى يعاقب مهما كان موقعها وموقفها وديانتها وزيها وزينتها ومكانها، ونغلق القوس والباب على كل متحرش. هذا إذا كنا نريد محاربة التحرش، أما إذا كنا نحاربه بسيف من خشب، وطائرة من ورق، وحصان من حلوى المولد، فلنبحث لكل مجرم عن مخرج، ولكل متحرش عن ذريعة، وتلبس المرأة العار بمفردها لصالح هذا الذكر الذى لا يستطيع أن يمسك نفسه فى مواجهة أنثى ضعيفة لا تملك من أمر نفسها شيئاً أو قوة أو قدرة، اللهم إلا حماية المجتمع وستر القانون.
ثم لماذا لا نعرّف التحرش تعريفاً جامعاً مانعاً نضعه بين قوسين، تعريفاً يراعى تعريفات العالم المتحضر، بعيداً عن قيود مشايخنا الذين يرفعون عن السافرات من النساء رخصة العفة، حتى تكون مباحة للشباب للتحرش بها. وهاكم التعريف الجامع الشامل للتحرش طبقاً لتعريف منظمات حقوق الإنسان، والذى يغلق أبواب الحجج والتبريرات والسخافات، ولا نمانع أن نزيد عليه بما فيه صالح المرأة، وحفظها وسلامتها من هؤلاء المتحرشين: «التحرش أى صيغة من الكلمات غير المرغوب فيها، أو الأفعال ذات الطابع الجنسى، والتى تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص، مما يجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، أو عدم الأمان، أو الخوف، أو عدم الاحترام، أو الترويع، أو الإهانة، أو الإساءة، أو الترهيب، أو الانتهاك. وأشكاله هى أولاً: التحرش بالنظر المتمحص أو التحديق أو النظر غير اللائق وبقدر من الوقاحة، ثانياً: التحرش بالتعبيرات الوجهية الجنسية، ، ثالثاً: النداءات والهمس والبسبسة واللمز، رابعاً: التعليقات غير المرغوب فيها، خامساً: الملاحقة والتتبع، سادساً: الدعوة إلى ممارسة الجنس، سابعاً: الاهتمام غير المرغوب فيه وملاحقتها وتقديم خدمات بغير رضاها، ثامناً: التحرش بعرض الصور الجنسية وإرسالها لأنثى عبر الإنترنت، تاسعاً: التعرى بصورة أو بأخرى بقصد أمام الأنثى، عاشراً: التحرش باللمس باليد أو الاحتكاك بها». هذا تعريف بين قوسين، لم يفتح الباب أو يواربه للهروب، ولم يضع عنواناً جانبياً يحتمى به كل متحرش، أو نصيحة أو وعظاً أو حكمة أو إرشاداً للمرأة حول زيها أو زينتها أو مكان وجودها أو رفاقها، حتى إذا تركتها أصبحت مباحة وحلالاً للمتحرشين، بل تركها حرة فى اختيار زيها وزينتها وأماكن وجودها وبرفقة من تشاء.
العالم كله يضع التعريف بين قوسين، بلا تبرير أو تعليل، وهذا هو القول الفصل، فلو تركنا الأمر لهذا التبرير وهذا التعليل وهذا الإرشاد وهذه النصائح، لكانت المرأة بقدرة قادر شريكة فى جريمة لم ترتكبها، ولم تكن سبباً فيها، ولبحث كل متحرش عن وسيلة وطريقة يرفع بها بلاه إلى غيره، ويقيم من شهود الزور من يقسم ويحلف ويثبت أن وضع المرأة ساعد على التحرش، وربما تجنَّى عليها واختلق من القصص والحكايات والروايات ما أظهرها للمجتمع على أنها تستحق الاغتصاب وليس التحرش فقط، وكم كان المتحرش رحيماً بها حين أقدم على التحرش وتركها دون اغتصاب، ويستحق الحمد والثناء، ألم يقسم أحد المشايخ (ويزعق) أن الذى يرى فتاة ببنطلون مقطع ولا يتحرش بها مايبقاش راجل؟ اطمئن يا شيخ، سوف يكون كل تلاميذك رحماء بالنساء، ويكتفون بالتحرش دون الاغتصاب، وجزاك الله خيراً على نصيحتك وعلى رحمتهم.
ارفعوا أيديكم وضعوا الأمر بين قوسين وكفى.