بين التراث والحاضر.. طرق جمع البلح والرطب وصناعة العجوة بشمال سيناء
شمال سيناء
في الماضي وقبل بداية الخريف بأسابيع قليلة، أي أواخر أغسطس من كل عام، اعتادت معظم الأسر السيناوية التي تمتلك بيارات من أشجار النخيل التي زرعها الأجداد والآباء على شاطئ البحر أو في السراديب التي كانت منتشرة في الأراضي التي تبعد عن شاطئ البحر من 200 إلى 400 متر، وبقيت ميراث تتوارثه الأجيال جيل بعد جيل، و كانت تلك العائلات تذهب إلى شاطئ البحر أو المنطقة الموجودة على الجانب الآخر، من طريق رفح، الشيخ زويد، العريش شرقا، أو العريش القنطرة من الناحية الغربية، في موسم البلح والرطب كل عام .
وقال شعبان الفضالي، أحد المهتمين بالتراث من أهل سيناء، إن كل أسرة تقوم ببناء "عريشة" خاصة بها من جريد النخيل مزودة بمرحاض مبني من برميل كبير أو أكثر يتم فتحه من الجانبين، ويتم وضع البرميل في حفرة بطوله، ويدفن من كل الجوانب، ويتم وضع قطع من الخشب فوق البراميل من أعلى حتى يكون جاهز للاستخدام، ويبني سور من جريد النخيل حوله بارتفاع متر، ونصف فأكثر، حتى لا يظهر الشخص وهو موجود داخل الحمام البدائي .
كما تبنى "العريشة" الكبيرة لتكون بمثابة منزل صغير للأسرة، مقسم إلى عدة أقسام، لوضع الأغراض التي تستخدم في الحياة اليومية طوال فترة جمع البلح، وكذلك الملابس .
وأضاف "شعبان" أنه يتم إعداد مكان داخل "العريشة" الكبيرة كغرفة نوم للنساء والأطفال، أما الرجال فيسترحون خارجها، أي في الهواء الطلق، أو في "عريشة" بسقف فقط ومفتوحة من الناحية البحرية والقبلية ومغلقة من جانب غروب وشروق الشمس، وتستخدم لاستقبال الضيوف أو للاسترخاء نهارًا، في فترة الظهيرة أو لتناول الطعام بداخلها.
وبجوار "العريشة" يتم بناء حوش صغير من جريد النخيل، لكي يوضع فيه بعض الطيور مثل الفراخ والبط والوز والديك الرومي، لتربيتها حتى تكبر، ويتم ذبحها تحديدًا يوم الجمعة "عادات وتقاليد"، ويعد هو اليوم الوحيد الذي يجتمع فيه كل أفراد العائلة، وذلك لارتباط كل شخص فيهم بعمله الخاص .
وعن طريقة إحضار المياه، أوضح محمد المراسي، أحد الأهالي، إن كل أسرة تحفر حفرة داخل السرداب بعمق متر أو أكثر، ويتم وضع برميل كبير مفتوح من الجانب والأسفل، وتسمى هذه الحفرة في اللهجة المحلية السيناوية بـ"الثميلة"، ويتم استخدام كوز "صطل" أو دلو "جردل" مربوط بحبل، ويتم إنزاله داخل التميلة وتسحب المياه إلى أعلى ليتم استخدامها في الشرب وعمل الشاي والطبخ وغير ذلك .
وماء الثميلة، كان لها طعم لذيذ وحلو المذاق، وليست مالحة، على الرغم أن هذه المياه كانت قريبة من ساحل البحر .
وأضاف أن المياه تكون في قلة أو إبريق للاستعمال الشخصي، بينما يتم وضع المياه التي تستخدم في طهي الطعام والغسيل ببرميل كبير.
كما أكد محمد أبو كريشان، من ساحل بحر الشيخ زويد، أن السرداب مكان كبير واسع تم حفره باستخدام الجمال والحمير والخيول واستغرق سنوات لنقل كميات كبيرة من الرمال، وكان أجدادنا الذين كانوا يقومون بالحفر ينزلون بمستوى الحفر حتي يصلون إلى "النزز"، أي حتى تصبح التربة رطبة أو مبللة، ويتم بعد ذلك زراعة الكثير من الخضراوات للاستعمال الشخصي مثل؛ "الكوسا، الطماطم، الباذنجان، الفلفل، الملوخية، البامية، البصل، الجرجير، الشومر، البطيخ، الفقوس"، فضلًا عن بعض الأشجار المثمرة مثل؛ "الجوافة، الليمون، الرمان، التين، العنب، أشجار النخيل".
وتابع أنه لا يتم ري كل هذه الخضراوات والأشجار المثمرة بالمياه، لأن الأرض طوال الوقت رطبة ومبللة، وجميع المناطق الساحلية كذلك، ورب الأسرة الوحيد المتحكم في عملية قطف ثمار النخيل، حيث يحضر "المطلاع" وهو عبارة أداة مصنوعة من ليف النخيل، لكي يتم استخدامه في الصعود إلى أعلى النخلة ومعه الشرخ، وكذلك المشنة وهي إناء مصنوع من سعف النخيل لوضع البلح أو الرطب بداخلها.
وأشار إلى أنه لو لم يكن رب الأسرة ماهرًا في الصعود على النخلة، يتم استئجار رجل لتأدية هذه المهمة، ويصعد إلى أعلى النخلة باستخدام المطلاع، ومعه الشرخ والمشنة، وحبل طويل، ويقطع قنوان البلح الذي اكتمل نضجه، ويربطه بالحبل حتى يصل إلى الأرض، ويقوم أيضًا الرجل بـ"فلفشة" أي وضع يده داخل قنو البلح ويحركه في كل الاتجاهات حتى يتساقط منه الرطب في "مشنة" قنو البلح، من أجل أن تنزل منه حبات الرطب الناضج في المشنة و بعد ذلك يقوم الرجل بإنزال المشنة حتي يتم تفريغها في بوكسه أو صندوق بلاستيك، ويتم نقل كميات البلح والرطب إلى المصنع و هو المشرة لعمل الشقيق والعجوة السيناوية.
وأضاف مصطفى أبو إسكندر، أن العجوة تصنع في مكان مخصص يسمى بـ"المشرة" وهي عبارة عن مكان واسع يمكن أن تكون مساحته 5×5 أمتار أو أكثر، ويتم عمل سور حولها يزيد ارتفاعه عن متر أو أكثر، حتى تكون العجوة في مؤمنة من الحيوانات والرمال التي تحملها الرياح الخفيفة التي تهب وقت العصاري، ويكون هذا السور مصنوع من جريد النخيل، ويقوم بصناعة العجوة جمع من الرجال والنساء من نفس العائلة .
وقال أبو اسكندر، إن طريقة صناعة العجوة تكون عن طريق إحضار الرطب الطازج، ويتم غسل الرطب واستخراج الفاسد منه، ويتم تقشير الرطب ونزع القشور منه، ونزع النوي من الرطب، الذي يستخدم كعلف للحيوانات، يتم فتح الحبوب الرطبة وجعلها على قسمين مرتبطين ببعضهما، ولا يتم فصلهما.
وأكد أنه يوضع الرطب بحيث تكون كل حابه بجوار الأخرى على قطع كبيرة من أكياس الخيش أو القماش، ويكون أسفل أكياس الخيش أو قماش جريد نخيل، ويترك الرطب تحت أشعة الشمس حتى تمتص الأشعة الرطوبة الموجودة فيه، ويظل الرطب على هذا الوضع لمدة 20 يومًا، ويتم تقليبه كل ثلاثة أيام، وجمع الرطب بعد جفافه وبعد ذلك يتم عمل أقراص يكون وزن كل قرص كيلو أو 3 كيلو "رطل" حسب الطلب، ويتم وضع أقراص العجوة في المشرة لمدة ثلاثة أيام حتى تجف نهائيًا.
واشار إلى أنه يتم بعد ذلك جمع الأقراص، وتوضع في صفائح أو أكياس لبيعها، أو تخزينها لتناولها على مدار العام، ويتم توزيع البعض منها للأقرباء والجيران والاصدقاء.