تظهر انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى صراعاً على أشده بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى، بعد أن بدأ الناخبون التصويت فى عدد من مراكز الاقتراع لاختيار أعضاء يشغلون 435 مقعداً فى مجلس النواب، وأعضاء آخرين لشغل 35 مقعداً من أصل 100 مقعد فى مجلس الشيوخ. هذه الانتخابات كانت ستبدو عادية وتقليدية لو لم يكن الصراع السياسى والأيديولوجى على أشده بين الحزبين منذ تولى الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم قبل أقل من عامين، لذا تحظى هذه الانتخابات بأهمية خاصة فى الولايات المتحدة سياسياً وإعلامياً، فهى ستحسم الأمر فى ما يتعلق بمن سيكون له اليد العليا فى الكونجرس، وهى الانتخابات التى يرى مراقبون أنها استفتاء على الرئيس ترامب نفسه، خاصة أن معارضيه وصفوا تلك الانتخابات بأنها فرصة لكبح رئيس بالتحريض وإثارة العنصرية والانقسامات الاجتماعية بشكل متعمد فى سبيل اجتذاب الناخبين.
وإذا كانت إدارة «ترامب» الفوضوية قد تمتّعت بسيطرة جمهورية كاملة فى مجلسى النواب والشيوخ، فإن باب السيناريوهات مفتوح والمفاجآت فيها ربما تجبر «ترامب» لاحقاً على مواجهة معارضة ذات أنياب، فأمام الناخب الأمريكى فرصة لتغيير مجلس النواب بأكمله وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، ومع الغموض الذى يلف نسبة المشاركة، وهو عامل رئيسى حاسم، فضلاً عن عدم اليقين فى دقة الاستطلاعات من تأثير أسلوب «ترامب» على الناخبين، يعترف الحزبان بأنهما قد يتعرضان لمفاجأة ما. أما التنافس الذى تشهده الانتخابات فى منتصف فترة حكم «ترامب» التى تستغرق أربع سنوات، فقد أثار حملات دعائية مثيرة للانقسام، لذا فإن نسبة الإقبال فى هذه الانتخابات من المتوقع أن تكون عالية، ويسهم فى ارتفاعها حث المشاهير والفنانين الناخبين عبر برامج تليفزيونية وإعلامية للتصويت، مثل الإعلامية المرموقة «أوبرا وينفرى» المعروفة بولائها للحزب الديمقراطى، خاصة بعد أن اتفق الرئيسان السابق باراك أوباما والحالى دونالد ترامب على أن ملامح البلاد على المحك، فيما غرّد أوباما قائلاً: «ربما كانت هذه الانتخابات الأهم فى حياتنا». ففى حال احتفظ الجمهوريون بسيطرتهم على مجلسى الشيوخ والنواب، فبإمكانهم الاستمرار فى برنامجهم وبرنامج الرئيس ترامب، أما إذا سيطر الديمقراطيون على المجلسين أو أحدهما، فقد يستطيعون عكس اتجاه سياسة ترامب وكبح جماحه.
إن ما يثير قلق «ترامب» وحزبه الجمهورى هو تصويت النساء، حيث تشير الاستطلاعات إلى أن 62% من الناخبات يؤيدن الديمقراطيين، مقابل 35% يؤيدن الجمهوريين، وهو ما يعكس الغضب الذى تواجهه سياسات «ترامب» تجاه المرأة منذ حملته الانتخابية للترشح للرئاسة، بينما يتمتع الحزب الديمقراطى بشعبية نسوية ظهرت فى استطلاعات الرأى والدعم الإعلامى من مشاهير ومؤثرين فى الشارع الأمريكى، ولا ننسى أن الأمريكية من أصول فلسطينية «رشيدة طليب» قد ضمنت مقعداً داخل الكونجرس بعد فوزها فى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى فى مدينة ديترويت فى أغسطس الماضى، وستكون أول امرأة عربية مسلمة تدخل الكونجرس الأمريكى، باعتبارها محامية، وتسعى للدفاع عن الفقراء ومناصرة حقوق المرأة، وهى التى قاطعت الرئيس الأمريكى ترامب أثناء خطابه فى الحملة الانتخابية عام 2016، منتقدة تأثير المال الكبير على سياسة البلاد، والمرجّح أيضاً أن يتصدّر اسم «الهان عمر» العناوين الرئيسية للأخبار فى الساعات المقبلة فى نتائج الانتخابات النصفية لتصبح واحدة من أوائل النساء المسلمات أيضاً اللاتى انتخبن للكونجرس بعد أن فازت فى الانتخابات التمهيدية فى الحزب الديمقراطى، إذ سيضيف فوز «الهان» ذات الأصول الصومالية على الكونجرس لوناً ديمقراطياً، خاصة أن نسبة النساء فى الكونجرس الأمريكى لا تتعدى الـ20% ونسبة الأقليات لا تتجاوز الـ19%، فهى التى حققت إنجازاً تاريخياً، وتصدر اسمها وسائل الإعلام المحلية بعد أن هزمت مرشحاً جمهورياً، لتحصل على مقعد فى مجلس نواب ولاية مينيسوتا عام 2016، وجاء انتخابها بعد عدة أيام فقط من اتهام الرئيس ترامب للمهاجرين الصوماليين فى مينيسوتا بنشر آرائهم المتطرفة. ومن هنا ربما يؤثر تصويت النساء فى كفة ميزان الانتخابات النصفية، ويكون له وقع المفاجأة، التى ينتظرها كلا الحزبين.