«عالمة نابغة».. سمية سعد: أسئلتى كانت بلا إجابات حتى درست الفلك والأرصاد الجوية
سمية سعد
صادقت السماء، اتخذت من النجوم رفيقاً لها، تتطلع إليها بعينيها فى شغف، تقضى بينها جُل أوقاتها، تعرف عنها أكثر مما تعلم عن نفسها، تدور فى أفلاك وجدانها ليل نهار، لا تكل ولا تمل من صحبتها، تدرس خواصها، تقضى صباحها فى مكتبها حيث العمل الدائم بالبحث والاطلاع على آخر الأبحاث فى مجالات الفلك وأهم وأحدث التقنيات، تقضى مساءها فى العمل بالمنظار ومتابعة النجوم ورصدها، وفى الأوقات الإضافية لا تتردد فى تأليف بعض الكتيبات المبسطة لذلك العلم تعد مقدمات ومداخل لمحبى الفلك، وفى حال فرغت بعض الوقت سريعاً ما تنهض عن كرسيها لتخط بعض الملامح الأولية لفكرة مشروع جديد قفزت إلى ذهنها للتو.
تدعو إلى ضرورة محاربة الجهل بتوضيح الفروق بين علم الفلك والتنجيم
الدكتورة سمية سعد، وكيل قسم الفلك بالمعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية ونائب رئيس اللجنة الوطنية للفلك الممثلة بالاتحاد الدولى الفلكى بمصر، بدأ شغفها بالفلك يشتعل منذ دراستها فى المرحلة الثانوية: «على أيامنا كنا منشغلين كثيراً بذلك المجال، ومعظم أسئلتنا لم يكن لها إجابات، دفعنى ذلك لاختيار قسم الفلك والأرصاد الجوية بكلية العلوم جامعة القاهرة، وكانت فرصتى الكبرى للتعلق بذلك العلم وسبر أغواره ودراسته على أيدى أساتذة رواد فى ذلك المجال».
تعدد عوامل ضعف فرصة مصر فى إحراز تقدم ملموس فى ذلك المجال على المستوى الدولى: «قلة أعداد الفلكيين، وعدم التعيين سوى لقلة قليلة من الخريجين، ربما اثنان أو ثلاثة كل عام، بينما يأخذ البقية مناحى أخرى فى الحياة، وندرة التخصص وقلة عدد أقسام الفلك فى الجامعات المصرية، مع عدم تخطى عدد الدفعة الدارسة للفلك عدد 15 طالباً سنوياً، وارتفاع مصروفات الدراسات العليا، كلها عوامل تعقد الأمر، بالإضافة لاحتياج الفلك ودراساته إلى إمكانيات غاية فى الضخامة مقارنة بعلوم أخرى، فى حين يقتصر الدعم المقدم من الدولة كل ثلاث أو أربع سنوات على نحو 10 ملايين جنيه لشراء أحد الأجهزة الضرورية، وحالياً يتوجه الدعم لبناء منظار بقطر 6 أمتار ونصف المتر».
جزء من عملنا مرتبط بتوضيح حقيقة أخبار انتهاء العالم أو ضرب الشهب والنيازك لكوكب الأرض
منذ افتتاح مرصد القطامية فى ستينات القرن الماضى، بقطر متر و88 سم، الذى يعد إلى الآن أكبر منظار فى الوطن العربى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تزايد الاحتياج إلى مزيد من الآلات المتطورة: «لو لحقنا معدل تطور الدول من حينها لأصبح حالياً لدينا عشرة مراصد، المرصد يعمل منذ 54 عاماً، تأثر العمل على المنظار خاصة نتيجة امتداد العاصمة الإدارية الجديدة، لازدياد التلوث الضوئى، الذى يتعارض مع طبيعة الأرصاد الفلكية التى تتطلب توافر الإظلام التام، لأنها أجسام خافتة، ويعمل المنظار على تجميع أكبر قدر من الضوء منها».
تُشحَذ كافة الجهود بالإمكانيات الحالية المحدودة لوضع مصر على خريطة العالم فى ذلك المجال، وتلتقى بنقاط الاتصال المقابلة لها فى الدول الأخرى للاطلاع على كافة المستجدات: «من حين لآخر تنتشر إشاعات تسبب بلبلة وهلعاً لدى الناس، كالأخبار المغلوطة عن تواريخ سينتهى عندها العالم أو شهب ونيازك ستضرب الأرض أو حوادث اصطدام خارجية بكوكبنا، وهنا يظهر دورنا، فبالأبحاث والاستطلاعات نستطيع توضيح الحقائق للناس، على الأقل داخل بلدنا، بالإضافة إلى اهتمام بعض الزملاء باستطلاع الأهلة وأهميتها فى عمل التقاويم، وحسابات مواقيت الصلاة».
تتذكر شيئاً ما فتمتعض قسمات وجهها: «يجب محاربة الجهل بكل صوره، ففى السودان قديماً قام أحد المطلعين والعارفين بموعد كسوف الشمس بالنصب على الناس وإيهامهم أنه موعد قيام الساعة ويجب عليهم التبرع بممتلكاتهم قبل النهاية، واستغل بالفعل جهلهم واستولى على أثمن ما يملكون».
تقدس علوم الفضاء: «كيف نعيش فى مكان لا نعرف تفاصيله، كما أننا ندين لأبحاث تلك العلوم بالتقدم فى مختلف المجالات فالتليفون الخلوى والكاميرات الحساسة والمرايا وتطور البصريات حتى الريموت كنترول وجميع أجهزة التحكم عن بعد، التقدم الهائل فى صناعات المواد العازلة للحرارة، بودرة السيراميك والخلايا الشمسية والتطور الهائل بها كلها تقنيات وتكنولوجيا تم تطويرها لملاءمة دراسات وأبحاث الفضاء، ومع تقادم التقنية وانتشارها استطاع العامة الاستفادة منها فى حياتهم اليومية والتمتع برفاهية تلك التكنولوجيا».
أكثر ما يسىء لذلك العلم هو خلط الكثيرين بين علم الفلك وعلم التنجيم: «وفى هذا ندين جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، لإتاحة الفرص لأشخاص غير مؤهلين للتحدث فى تلك العلوم وتفريغها من محتواها وتسويق معلومات وأفكار مغلوطة، لا أساس لها من الصحة وليس لها علاقة بعلوم الفلك من قريب أو بعيد، أما صفات الأبراج وإن صحت فى بعض الحالات فربما تكون قائمة على دراسات إحصائية لمجموعة المواليد فى فترة زمنية محددة تميزوا بخصال بعينها».
تجد «سمية» أنه يجب أيضاً توضيح الفرق بين الأرصاد الفلكية والأرصاد الجوية: «علوم الفلك تهتم وترصد كل ما هو خارج الغلاف الجوى، بينما تحدث جميع الظواهر الجوية داخل وخلال طبقات الغلاف الجوى المتعددة»، وتشير أيضاً إلى أهمية ارتياد الفضاء والقفزة الهائلة لتلك الدراسات والبحوث التى كانت بمثابة القاطرة التى ساهمت فى التطور الهائل فى كافة فروع العلوم واستحداث التقنيات المتعددة وتطور الصناعات المختلفة والمتعلقة ببحوث الفضاء.
بعد حصولها على بكالوريوس العلوم، ورغم التحديات الكبيرة أمام المرأة بهذا المجال وندرة عمل المرأة به، حصلت على الماجستير والدكتوراه فى تخصص النجوم النابضة، بالتعاون مع أساتذة فى هذا المجال بدولة المجر، وسافرت لمدة عام للعمل بعدة أبحاث متخصصة لمدة عام بعد الدكتوراه فى كوريا الجنوبية ثم فى 2002 ولمدة عامين فى دولة التشيك: «دراسات الفلك بالخارج منتشرة جداً ومتطورة عنا بمراحل، كان ذلك سبباً فى اهتمامى بتأسيس مركز تميز علمى فى مجال الفلك وعلوم الفضاء بدعم وتمويل من صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية فى 2013، الذى يهدف إلى إدخال بعض الاتجاهات العلمية الحديثة مثل المرصد الافتراضى لدراسات الكواكب الخارجية وتحليل الأرصاد الفضائية، إلى جانب الاهتمام الكبير بالتدريب العملى، هذا إلى جانب نشر أبحاث علمية فى دوريات دولية متخصصة»، وقامت كذلك بدور بارز فى استضافة المدرسة الدولية لشباب الفلكيين تحت رعاية الاتحاد الدولى الفلكى 2018: «تنعقد المدرسة كل عام فى بلد مختلف، آخرها هذا العام عقدت فى مصر، وتضم عدداً من الأساتذة الأجانب من مختلف دول العالم بالإضافة إلى الأساتذة المصريين، كما تستضيف عدداً من الطلاب الأجانب وعدداً مماثلاً من الطلاب المصريين لتبادل الاستفادة ونشر العلوم الفلكية وتوفير فرص اندماج الطلاب المصريين بالمجتمع الدولى».
حصلت «سمية» على جائزة الدكتور محمود خيرى على، من أكاديمية البحث العلمى فى مجال الفيزياء الفلكية عامى 2006 و2013، كما حصلت مؤخراً على تكريم الجمعية المصرية لعلوم الليزر، حيث كرمتها الدكتورة لطفية النادى فى أكتوبر 2018، كما أنها تشارك الآن فى مبادرة إطلاق الرابطة الأفريقية للمرأة فى الفلك وعلوم الفضاء، وستقوم بتمثيل المرأة فى هذا المجال بدول شمال أفريقيا والتنسيق فيما بينهم لعمل قاعدة بيانات تشمل جميع الباحثات فى هذا المجال ومن ثم إطلاق العديد من المبادرات لمواجهة التحديات التى تعيق تقدم المرأة فى مجال الفلك وعلوم الفضاء.