يملك الكثير من الأشخاص القدرة على إعطاء النصائح لأصدقائهم وأقاربهم، ممثلين مصدر إلهام للأخرين في مختلف المواقف، فيبدون أرائهم التي يتبعها الأفراد الذين استشاروهم، ولكن في المقابل يقف هؤلاء الأشخاص مكتوفي الأيدي عند القرارت الخاصة بهم، غير قادرين على الحسم أمور كثيرة في حياتهم.
عندما يرتبط الأمر بالآخرين فإن العقل يكون في قمة الوضوح وبالتالي يتمكن من التحليل بسرعة، وتقييم المخاطر والنتائج ثم اقترح الحلول من دون تردد، لتوضح أبحاث إلى أن كثير من الأشخاص ليسوا وحدهم في هذا الصراع.
ففي إحدى الدراسات التي نشرت في دورية «أورغنيزشونال بهيفير أند هيومن ديسجن بروسس» Organizational Behavior and Human Decision Processes تبين بأنه رغم أننا عادة نسعى خلف المخاطر إلا أن دوافع المرتبطة بحماية أنفسنا تشلنا وبالتالي تمنعنا من اختيار الطريق الذي لا نألفه ولا نعرفه، ولكننا في المقابل نصبح أكثر ميلاً للمغامرة والمخاطرة عندما نقدم النصيحة للآخرين وهذا لأن عقليتنا بالتعامل مع مشاكل الآخرين وبالتالي حسم القرارات التي تتعلق بهم تختلف كلياً عن عقليتنا حين نحاول أن نحسم قرارات تتعلق بنا.
كما أن القرارات التي نتخذها لغيرنا يتم حسمها استنادًا الى الإنطباعات العامة وليس وفق تفاصيل كل خيار، وقراراتنا لغيرنا تكون جرئية اذ عقلنا يعمل وفق «عقلية المغامرة» وبالتالي يكون هناك تفضيل للحداثة والإبداع على حساب التفكير ملياً حول ما تعنيه هذه الخيارات او تلك أو مما تتألف منه.
في المقابل حين نقوم باتخاذ القرارات لأنفسنا ما يحدث هو أننا نعتمد العقلية الحذرة وبالتالي يتم تحليل كل قرار بشكل مبالغ به وعوض استكشاف الخيارات العديدة المتوفرة لان العقلية الحذرة هنا تفضل خيارات أقل وإنما على مستوى أعمق وبالتالي تتم المقارنة والتحليل وإعادة التقييم، والنتجية هي أننا نقييم المخاطر التي تواجهنا بشكل مبالغ به ما يجعلنا نتجنبها أكثر مما يجب.
الدراسة هذه يمكننا لمس نتائجها في الحياة اليومية وفي كل المجالات المهنية وغير المهنية، فأنت ستنصح زميل عمل بالقبول بالوظيفة الجديدة التي عرضت عليه ولكن لو كان الأمر يتعلق بك فحينها ستخاف من القيام بالخطوة تلك أو حين ننصح صديق ما معجب بفتاة بالمبادرة والحديث معها رغم أننا ندرك بأننا لن نقوم بذلك لأننا نخاف وبشدة من التعرض للرفض.
الأمر لا يتمحور فقط حول الآلية الدفاعية التي يعتمدها العقل البشري من أجل حمياتنا من قراراتنا إذ أن الشخصيات تلعب دورها أيضاً في القدرة على حسم القرارات وتقديم النصائح سواء للنفس أو للآخرين.
بعض الأشخاص يميلون للمخاطرة أكثر من غيرهم، وهناك فئة تفضل أن تقوم بكل الأمور ضمن هامش من الأمان الذي يطال كل المواقف بغض النظر عن الفوائد والفرص التي يفوتونها على أنفسهم.
الجمود في حسم القرارات وبالتالي توفير النصائح المثالية لأنفسنا يدخل مرحلة الشلل، بسبب خوفنا من الفشل أو الخوف من الرفض، لذلك السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يمكننا تدريب أنفسنا على حسم القرارات الطموحة وتوفير نصائح جيدة لأنفسنا كتلك التي نقدمها للآخرين؟
المقاربة بسيطة، الإدعاء بأن المشكلة أو الموقف لا يتعلق بنا بل بالاخرين، فعوض سؤال نفسك «ما الذي علي فعله؟» يمكنك قلب الصورة لتصبح "ما الذي عليك فعله؟".
هناك طرق أخرى لمقاربة العقلية المغامرة التي نستخدمها لحل مشاكل الآخرين وتقديم النصائح لهم وذلك من خلال التفكير بأشخاص نكن لهم الاعجاب وتخيل المقاربة التي كانوا سيعتمدونها من أجل حل المشكلة.
الغاية من كل المقاربات هي فصل حسم القرار عن أنفسنا، اي إبعاد أنفسنا قدر المستطاع عن الموقف وبالتالي ننظر إلى الوضع من الخارج ما يمكننا من تحليل الوضع وحسم القرارات وتوفير نصيحة مثالية لأنفسنا.
مقاربة أخرى هي إبعاد النفس فعلياً عن الموقف أي سؤال زميل أو شخص نثق به عن الآلية التي سيعتمدونها من أجل حل المشكلة التي نواجهها وبالتالي يوفرون لنا المقاربة التي نود إعتمادها. هم سيوفرون لك نظرة واضحة عن العقلية المغامرة التي نسعى للحصول عليها.
تعليقات الفيسبوك