«ضعف الرواتب» كلمة السر وراء «مافيا الكورسات».. والمعيدون: «بنزوّد دخلنا»
الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى والبحث العلمى
نشأته فى أسرة بسيطة لا تستطيع توفير ثمن شراء الكتب الجامعية جعلت حلمه الأول والأخير أن يصبح معيداً فى كلية العلوم التى اختارها بمحض إرادته، بعد تفوقه الكبير فى الثانوية العامة، وحصوله على مجموع 95%، وتخرجه فيها قبل 10 أعوام، فمنذ اليوم الأول الذى وطئت فيه قدما المهندس الثلاثينى، «رفض ذكر اسمه»، أرض جامعة حلوان، وهو يعد نفسه لتلك اللحظة، فدائماً ما ارتبطت فى وجدانه تلك المهنة تحديداً بالمكانة الاجتماعية المرموقة والحالة المادية الميسورة التى طالما حلم بها، لكن سرعان ما اصطدم معيد مادة علوم الحاسب بأرض الواقع، حيث لم يتم تعيينه فى الجامعة فى بداية تخرجه، رغم تفوقه وحصوله على المركز الثالث بين طلاب دفعته، ليصاب بالإحباط، ويتلاشى بعدها حلم الطفولة، ويقرر العمل فى إحدى الشركات الخاصة لمدة عام، لترسل له الجامعة خطاباً مضمونه أنه تم تعيينه معيداً فى الكلية.
لم تسر الأمور كما تمنى المهندس الشاب، يقول: «اتفاجئت إن المرتب وقتها 2500 جنيه، وقعدت سبع سنين بقبض المبلغ ده بس بدون أى زيادة». الأمر الذى دفعه إلى التعاقد مع أحد مراكز الدروس الخصوصية «الكورسات»، حيث يتوجه إليه يومياً بعد نهاية عمله فى الجامعة: «بعد فترة لقيت إن مادة التخصص بتاعى بيدرسها برضو طلاب حاسبات ومعلومات، فبقيت بحدد أيام لطلبة علوم، وأيام تانية لطلبة حاسبات، بهدف زيادة الدخل». يحصل المعيد الشاب، بعد سبع سنوات، على درجة الماجستير، ويصبح مدرساً مساعداً: «بقيت بقبض 4200 جنيه، ودول حالياً مايكفوش بيت فيه 3 أطفال فى مدارس»، موضحاًَ أن دكاترة الجامعة على علم بأمر «الكورسات»، لكن إذا ذاع صيت الدروس الخصوصية التى يقدمها أحدهم فمن الممكن أن يعرّض نفسه للمساءلة القانونية، كما ستوقع عليه عقوبات قد تصل إلى حد فصله من عمله فى الجامعة، متسائلاً: «ليه من حق الطبيب يفتح عيادة، حتى لو لسه معيد، ومن حق معيد هندسة يفتح مكتب هندسى، لكن مش من حقنا ندرّس للطلاب خارج مدرج الكلية؟».
معيد بجامعة حلوان: «4200 جنيه مايكفوش بيت فيه 3 أطفال فى مدارس».. ومهندس طيران: قدمت استقالتى وتفرغت للكورسات
الأمر كان مختلفاً بالنسبة لمعيد هندسة الطيران والفضاء فى جامعة القاهرة، الذى قرر ترك عمله فى الكلية وتقديم استقالته بعد التضييق الشديد الذى تعرّض له، وذلك بعد أن اشتهر فى أوساط الطلاب بمختلف مراحلهم وأقسامهم داخل الكلية بأنه يملك مركزاً فى منطقة المنيل يقصده الطلاب، خاصة قبل فترة الامتحانات من كل تيرم، ومن كليات مختلفة، كطلاب قسم الرياضيات فى كلية التربية وطلاب كلية العلوم، لجودة شرحه وتمكُّنه من إيصال المعلومات بشكل بسيط وميسر. يقول: «السبب الرئيسى للكورسات هو زيادة الدخل، وبعد الاستقالة بقيت متفرغ ليها وبعمل أربع حصص فى اليوم كل حصة 3 ساعات بيكون فيها مش أقل من 30 طالب، وبحاسبهم بالشهر»، رافضاً الإفصاح عن المبلغ الذى يتعين على الطالب دفعه للمادة الواحدة. يشرح المعيد الأربعينى تفاصيل يومه الشاق، حيث يبدأ فى السابعة صباحاً، وينتهى فى الحادية عشرة ليلاً، ويقوم خلاله بشرح عدد من المواد المختلفة، وإن كانت خارج تخصصه: «مادة زى هندسة الإنتاج دى بتاعة إعدادى هندسة، أنا بدى فيها حصص مراجعة»، مضيفاً: «هى صحيح مش تخصصى بس عندى فكرة عنها وبمجرد ما بفتح الكتاب بقدر أسترجع كل اللى درسته ومفيش طالب خد عندى حصة مراجعة وذاكر الملزمة ومانجحش فى المادة».
انتشار تسجيلات الفيديو الخاصة بالمحاضرات وإمكانية الوصول إليها بسهولة بعد أن يقوم مندوب الدفعة برفعها على موقع «اليوتيوب»، بالإضافة إلى توفر الملازم التى يقوم المعيدون بإعدادها تحت إشراف أساتذة المواد، كل هذه العوامل أدت إلى اختفاء ظاهرة الدروس الخصوصية بشكل تدريجى بين طلاب قسم هندسة الاتصالات والإلكترونيات بكلية الهندسة فى جامعة القاهرة، الأمر الذى أتت نتائجه بالسلب على أحد المعيدين «رفض ذكر اسمه»، حيث اضطر إلى فسخ تعاقده مع أحد السناتر فى منطقة بين السرايات، بعد أن تم الاستغناء عن خدماته بسبب قلة عدد الطلاب، يقول: «لقيت الكورسات مش جايبة همها، فسبتهم ووقّفت الدروس الخصوصية مؤقتاً لحد ما أشوف مكان تانى أتعاقد معاه»، موضحاً: «فكرة إنك تكون معيد وبتدى كورسات دى حاجة مرهقة جداً، ممكن تستحملها بس لو فيه عائد كويس، غير كده يبقى بلاش».