إنفاق بالملايين.. قاعات خاوية وجمهور غائب.. والنتيجة صفر
أحمد شوقى وخالد عبدالجليل ومحمد حفظى فى افتتاح مهرجان القاهرة
ميزانيات تصل إلى ملايين الجنيهات، تذاكر طيران وحجز فنادق، سجادة حمراء لنجوم يقتصر حضورهم على حفلات الافتتاح والختام، قاعات عروض أفلام خالية من الجمهور، وجوه محفوظة، ضيوف دائمون على الفعاليات، رحلة تمر بها المهرجانات السينمائية فى مصر، والتى وصل عددها إلى 6 فعاليات تحت رعاية وزارة الثقافة بشكل مباشر، وتعتمد فى تمويلها على «الثقافة» و«السياحة»، وذلك بخلاف مهرجان الجونة، وبالرغم من ذلك لم تحقق المهرجانات مردودها على السينما المصرية بالصورة المتوقعة منها، بالنسبة لخلق حالة من الحراك فى الإنتاج السينمائى، أو نشر الثقافة السينمائية فى المحافظات المحرومة من دور العرض السينمائى.
قال الناقد مجدى الطيب، إن وجود المهرجانات هو أمر ضرورى، ففى الوقت الذى يقام فى مصر 7 مهرجانات سينمائية، المغرب بها ما يجاوز الـ20 مهرجاناً، وهو أمر مطلوب فى كل الأحوال، ولكن المساوئ هى التى تؤدى إلى المطالبات بإعادة النظر فى المهرجانات، أولها أن المهرجانات المقامة فى المحافظات منفصلة تماماً عن الجمهور، وتشتد المطالبات أحياناً بإيقاف تلك المهرجانات وعدم استضافتها على أرض المحافظة مرة أخرى، بحجة أنها أموال ضائعة لا تستفيد منها المحافظة أو المواطن، ويقتصر الحضور على مجموعة من الضيوف من الممكن أن نراهم فى الإسكندرية هم أنفسهم فى أسوان والأقصر وشرم الشيخ، وكأنهم ضيوف دائمون فى رحلتى الشتاء والصيف.
ماجدة واصف: "القاهرة السينمائى" فى حاجة إلى إعادة تنظيم قانونى وإدارى.. والمهرجانات المصرية ليست إهداراً للأموال لأن ميزانياتها ملاليم
وأضاف «الطيب» لـ«الوطن»: «أنا لست مع الآراء التى تطالب بإيقاف المهرجانات، فهى تعتبر نافذة مهمة على السينمات العالمية، هناك خلل فى التعريف بالمهرجانات، فلا نجد اهتماماً من إدارة المهرجان بالتواصل مع الجامعات ومراكز الشباب فى المحافظة المقام بها المهرجان، كانت هناك تجربة رائدة فى مهرجان الإسماعيلية، حيث لم نكتف بعرض الأفلام فى قاعات العرض وقصر الثقافة، ولكن كان يتم عرض الأفلام فى المقاهى والأحياء وبعد الفيلم نعقد مناقشة مع الجمهور، ويحدث العام الحالى فى مهرجان الأقصر الذى سيصل للجمهور بعروض الأفلام وصناعها فى قنا عن طريق جامعة جنوب الوادى، وهو ما يوضح أن المهرجان بدأ يتدارك هذه الأزمة».
وصفت الناقدة خيرية البشلاوى عمل المهرجانات المصرية بـ«الحرث فى الماء»، متابعة: «الجمهور لا يفضل نوعية الأفلام المشاركة فى المهرجانات، وخاصة جمهور الأقاليم غير معتاد مشاهدة أفلام تحت بند ثقافى، بالنسبة لهم يجب أن تكون الأفلام بها جرعة من الترفيه، وفى الغالب تكون أفلام المهرجانات خالية من البهجة الشعبية، أصبح هناك لوبى للسينما البليدة تحت اسم السينما المستقلة تركز على القذارة والعاهات والمرض والجنون، ولا يقتصر الأمر على جمهور الأقاليم فقط، حيث اعتاد حضور حفلات افتتاح المهرجان مغادرة القاعة مع بدء عرض حفل الافتتاح، أما على مدار أيام المهرجان تكون قاعات العروض خاوية».
مجدى الطيب: مهرجانات المحافظات منفصلة عن الجمهور وضيوفها وجوه متكررة.. وطارق الشناوى: نحتاج إلى خلق حالة شغف لدى الجمهور
وأضافت «البشلاوى» لـ«الوطن»: «اختفت المهنية من المهرجانات، ولا أعلم لماذا تقوم وزارة الثقافة بالإنفاق على تلك المهرجانات، يمكن الاكتفاء بمهرجان واحد أو اثنين على مستوى جيد، ثم توجه ميزانيات باقى تلك المهرجانات إلى إحياء قصور الثقافة، لتكون هناك جرعات أسبوعية منتظمة منتقاة بعناية لجمهور الأقاليم فى قصور الثقافة، وسيكون لها مردود أسرع وأكبر من المهرجانات السينمائية فى المحافظات».
وتابعت: «حضور عدد من النجوم فى افتتاح المهرجان ليس دليلاً على النجاح، ولكنها لا تتعدى كونها دعاية مزيفة، بينما يسيطر على المهرجانات شللية غير عادية، فيتم إحضار مجموعة من الناس من القاهرة إلى مقر إقامة المهرجان، وينفق عليهم مواصلات وإقامة فندقية، لمشاهدة الأفلام، وفى أوقات كثيرة لا يشاهدونها حتى، ولا يوجد اهتمام بجمهور المحافظة المستهدفين من إقامة المهرجان، نحن فى حاجة إلى مهرجانات نوعية تدرس مزاج الجمهور، بدلاً من تلك التى يستهلك ميزانيتها مجموعة من المستفيدين».
قالت الدكتورة ماجدة واصف، رئيس مهرجان القاهرة السينمائى، ومهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية السابق، إن المهرجانات السينمائية فى مصر تعانى بشكل كبير، على سبيل المثال مهرجان القاهرة فى حاجة إلى إعادة تنظيم من الناحية القانونية والتنظيمية الإدارية، نحن فى حاجة إلى استقرار خاصة فيما يتعلق بالجانب المالى، مضيفة: «المهرجانات الصغيرة التى ظهرت فى الفترة الأخيرة يواجهون أزمة فى تكوين ميزانية المهرجان، حيث يحصلون على دعم من أكثر من جهة، وتواجههم مشكلة أكبر هو غياب السينما عن تلك المحافظات التى يتم فيها إقامة الفعاليات من سنوات، وقصور الثقافة ومراكز الشباب لا تقدم سينما بشكل منتظم، وبالتالى لا يستطيعون تغيير ذلك بين يوم وليلة، لدينا الآن محاولات ولكنها تحتاج إلى نفس طويل ورؤية واضحة ومحددة بالنتائج المطلوب». وتابعت «واصف» لـ«الوطن»: «قد تكون هناك نوايا حسنة ولكن المنظومة غير مستقرة، لا يمكن اعتبار تلك المهرجانات إهداراً للأموال، حيث إن ميزانيتها (ملاليم)».
خيرية البشلاوى: المهرجانات تعتمد على النجوم كدعاية مزيفة.. ويمكن الاكتفاء بفعالية واحدة جيدة وتوجيه الميزانيات لإحياء قصور الثقافة
أشار الناقد طارق الشناوى، عضو لجنة المهرجانات بالمجلس الأعلى للثقافة، إلى أن المهرجانات موجهة وتستهدف الجمهور فى المقام الأول، هناك مهرجانات تعقد فى محافظات ليس بها جمهور، مثل شرم الشيخ للسينما الآسيوية، وبالتالى ليس هناك معنى لإقامته، أو مهرجان مثل القاهرة السينمائى مقام فى مدينة ولكن تحتاج الإدارة إلى خلق حالة من الشغف لدى الجمهور، قبل مهمة إنعاش الصناعة يجب أن تصل الأفلام إلى مستحقيها وهم الجمهور.
وعبر «الشناوى» عن موافقته على اقتراح توجيه مبالغ دعم المهرجانات التى لا تحقق المرجو منها إلى دعم الإنتاج السينمائى، متابعاً: «أو يمكن توجيه تلك المبالغ إلى دعم مهرجانات أخرى جديرة بالدعم، كلها اقتراحات واردة عندما يفشل المهرجان فى تحقيق أهدافه، فيجب استبداله أو إيقافه على الفور، المهرجانات فى مصر لديها مشاكل مع اختلاف درجاتها، أولها عدم تفاعل الجمهور مع الأفلام، ويتم الاعتماد على «مجموعة قاهريين» فى السفر ومشاهدة الأفلام هناك، ويقوم دور لجنة المهرجانات التى ترأسها وزيرة الثقافة بتقييم أداء المهرجانات، وهل تحقّق الهدف المرجو منها، بالإضافة إلى مدى الجدية، حيث يلاحظ تسيب وعدم انضباط فى عدد كبير من المهرجانات».
قال الناقد أحمد شوقى، نائب المدير الفنى لمهرجان القاهرة السينمائى، إن المهرجانات فى مصر، باستثناء مهرجانى «القاهرة» و«الجونة»، موجهة للجمهور، وبالتالى تلك المهرجانات التى لا ترتبط نشاطاتها بالصناعة، بل يجب أن تكون مهتمة بتنمية الجمهور، حتى مع حصول تلك المهرجانات على أفلام جيدة إذا تم عرضها لقاعات خالية ستكون دون قيمة، أما بالنسبة للمهرجانات التى تلعب دوراً أكبر يكون لها جزء متعلق بالصناعة يتم تحديده وفقاً لإمكانياته.
وأوضح «شوقى» لـ«الوطن»: «فى مهرجان القاهرة لدينا (Cairo Industry Days)، ويعمل من خلال 3 أشكال، الأول ملتقى القاهرة السينمائى والذى يتم من خلاله عرض مجموعة مشروعات ما بين 15 إلى 20 مشروعاً عربياً، بحضور عدد من الأشخاص الفاعلين فى مجال الصناعة، بالإضافة إلى لجنة تحكيم تختار مشاريع فائزة تحصل على مبالغ مالية لدعم الأفلام وأخرى خدمية، مثل ساعات مونتاج أو تلوين، وكل تلك الجوائز ممولة من رعاة، ووصل إجمالى الجوائز فى الدورة الأخيرة إلى 120 ألف دولار».