كثير مما نقل لنا عن النساء فى الإسلام مغلوط ومتناقض، قيل لنا إن صوت المرأة عورة، وفى نفس الوقت وقفت امرأة فى الجامع ترد الخليفة عمر بن الخطاب ويعترف بخطئه وصوابها، قيل لنا إن النساء كن يحتجبن فى البيوت، لكن السيدة عائشة كانت سياسية لها ثقل وخرجت على رأس جيش فى موقعة الجمل، قيل لنا إن الاختلاط حرام لكن النساء كن يملأن الأسماع والأبصار ومنهن السيدة أسماء بنت يزيد التى كانت خطيبة مفوهة ومحامية النساء ومن أشد المدافعات عن حقوق المرأة، والأهم من ذلك راوية حديث روت عن الرسول فيما يذكر 81 حديثاً، وروى عن أسماء رواة حديث أَجِلاّء، كما روى أصحاب السنن الأربعة: أبوداود والنسائى والترمذى وابن ماجة، والبخارى فى الأدب المفرد: أسلمت أسماء على يد مصعب بن عمير، وكانت أول من بايع النبى (صلى الله عليه وسلم) وكانت تعتز بهذا الأمر فتقول: «أنا أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم»، واشتهرت بفصاحتها، كانت متحدثة لبقة لذا اشتهرت وسميت بـ«خطيبة النساء»، لماذا؟
روى المؤرخ ابن الأثير فى كتابه «أُسد الغابة»: أن أسماء جاءت للنبى صلى الله عليه وسلم، وهو بين أصحابه فقالت: بأبى وأمى أنت يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، «إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك / وإنّا معشر النساء محصوراتٌ مقصوراتٌ قواعدُ بيوتكم ومَقضى شهواتكم وحاملات أولادكم/ وإنكم معشر الرجال فُضِّلتم علينا بالجُمَع والجماعات وإنّ الرجل إذا خرج حاجّاً أو معتمراً أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم وربينا لكم أولادكم. أفما نشارككم فى هذا الأجر والخير؟.. النبى صلى الله عليه وسلم التفت إلى أصحابه بوجهه كلِّه ثم قال: «هل سمعتم مقالة امرأة قَط أحسن من مساءلتها فى أمر دينها من هذه؟»، فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدى إلى مثل هذا. فالتفت النبى صلى الله عليه وسلم إليها فقال: «افهمى، أيتها المرأة، وأَعْلِمى مَن خلفك من النساء أنّ حُسْنَ تبعُّلِ المرأة لزوجها يَعْدِل ذلك كلّه». ما يعنى أن ما تقوم به النساء فى منزلها تفضلاً يعادل حتى الحج والجهاد وكل شىء. أسماء خرجت من عند النبى سعيدة وبتهلّل «أى تعلن بصوت عال» أن الرسول نصرها ونصر كل النساء.. جاءت الرسول وهو بين أصحابه ولم يردها لأن الاختلاط حرام أو دخلت مجلس الرجال وهو أمر عيب، أو أنها علت صوتها وهو عورة، لم يكن هذا هو الموقف الوحيد، لكن مناقشة أسماء للرسول يبدو أنه كان من طبائع الأمور، ففى روايات عدة تأكد أن فى أسماء نزلت آية حكم عِدّة المطلقات. فقد أخرج أبوداود والبيهقى فى سننه عن أسماء بنت يزيد قالت: طُلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدة، فنزل قول الله تعالى: ﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء﴾ [البقرة: 228]، فكانت أسماء أوّل معتدّة ما يعنى أول واحدة تقضى عدة فى الإسلام، ورغم ذلك لم تكن منغلقة أو تترفع عن مباهج الحياة مثل كثير ممن نرى هذه الأيام، فقد كانت لها دراية بزينة النساء؛ فهى اللى زينت أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر رضى الله عنها يوم زفافها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كانت قوية وشجاعة فى الحرب، رغم استشهاد عمها وأخيها فى أحد، خرجت فى غزوة الخندق وغزوة خيبر، وخرجت فى غزوة الحديبية، وبايعت بيعة الرضوان.
وللحديث بقية.