«المنجِّد».. من إدخال «الفرح» لكل البيوت إلى «تحدى الإسفنج»
«سمير» يواصل المهنة التى أحبها
ما كان يمر أسبوع إلا ونراه فى أحد المنازل، أو بين جنبات أحد الشوارع، يتناثر حوله «القطن»، وتحيط به الفرحة والبهجة، استعداداً للأفراح، حيث يعمل «المنجد» وسط ذلك المهرجان، الذى يلم شمل العائلة، سواء فى القرى أو المناطق الشعبية فى المدن، حتى ظهرت الماكينات، ومن بعدها ظهرت أشكال أخرى من المفروشات، استبدلت القطن بالإسفنج.
قوس ذو قاعدة خشب بوتر مصنوع من «مُصران» أمعاء الضأن، بعد أن أصبح من الصعب الحصول على أمعاء الغزال، يستخدمه سمير أحمد فى نثر قطع القطن لفرزه وفصل قطعه عن بعضها، ويستخدم العصا لنفس المهمة، لتبدأ بعد ذلك مراحل جمعه فى كيس من القماش على شكل «مخدة أو مرتبة أو لحاف»، كان قد تمت حياكته على ماكينة الخياطة قبل ذلك بمقاسات محددة على يد صديقه معوض يعقوب، ليتابعا معاً تقفيل المرتبة بطريقة يدوية يستخدمان فيها الإبرة والخيط بحياكة برواز خارجى وغرز متفرقة فى أوسط القطعة، تلك هى الطريقة المعتادة قديماً، التى لا يزال يستخدمها كبار المنجدين أمثال «معوض وسمير»، لكن الأمر قد يختلف بعد أن استحدثت ماكينة كهربائية تقوم هى بنثر القطن ونفضه، أو يختزل الأمر كله فى شراء تنجيد إسفنجى جاهز، ويقتصر عمل المنجد البلدى على تجديد المستعمل وإعادة تهيئته.
"سمير": كنت باشيل "القوس" على كتفى وأمشى فى الشارع عشان الناس تعرف إنى منجد ويجيلى شغل.. "وورثت المهنة من أعمامى"
سمير أحمد، 52 عاماً، قال لـ«الوطن» إنه ورث المهنة عن أعمامه، ويحافظ على أدواته القديمة، التى يعتبرها ميراث وذكريات العائلة بالمنيا، مضيفاً «أنا صنايعى قوس تنجيد، أخدت القوس من عمى وعمى ورثه عن جده، إحنا الكبار بس اللى بنعرف نشتغل على القوس إنما لو لقيت أصلاً منجد صغير لا هيعرفه ولا هيعرف يشتغله».
واستطرد: «كنت بامشى فى الشارع شايل القوس على كتفى والناس كلها تعرف إنى منجد ويجيلى شغل على حسه وهافضل محافظ عليه ولا عمرى أفرط فيه ولا حتى بمليون جنيه، ده أكل عيشى فيه حتى لو الرِّجل خفت علينا بس اللى بيفهم بيقدر شغلنا.. لو حصل له حاجة بلف علشان ألاقى حد مخزن وتر عنده وأشتريه لأن محدش بقى بيعمله أصلى دلوقتى».
بعد أن أنهى معوض أعمال خياطة قماش التنجيد، همَّ لمساعدة صديقه فى تنفيض قطع القطن القديم وتابع «اللى علمنى المهنة وأنا عندى 12 سنة عمى وأخدت دبلوم تجارة علشان أتوظف وبعد الجيش لما مالقتش وظيفة عمى قال لى مارس مهنتك لحد ما الوظيفة تيجى ومن وقتها وأنا حبيت المهنة على الرغم إنها بتحتاج مجهود كبير.. قعدت 3 سنين باشيل العدة وأمشى مع عمى أتعلم وممكن آخد فى آخر اليوم ربع جنيه وممكن ماقبضش خالص».
«الصنايعى زمان مش زى دلوقتى» كلمات اثنين جمعهما حب المهنة، يعرفان كل تفاصيلها، ويتابعان تطوراتها، فهما يعرفان التعامل مع ماكينة القطن، كما يتقنان العمل بالأدوات القديمة، ليكونا أمام الزبون جاهزَين لتنفيذ المطلوب بالطريقة التى يختارها «زى ما الزبون يطلب بننفذ سواء عصايا ولا قوس ولا ماكنة»، وفقاً لـ«معوض»، الذى استرجع ذكرياته، قائلاً «كنا بناخد إجازة الصيف ونفرح إننا هنروح نتعلم صنعة حتى لو ببلاش وتلاقينا ييجى 7 صبيان عند المعلم وبرضو باقى المهن زى النجار، لكن دلوقتى مفيش حد بيتعلم وكله بيستسهل ويجيب توك توك».
وتابع «كان زمان بتنقام أفراح يوم التنجيد والزبون بيعزم العيلة كلها واللى مش هيقدر ييجى الفرح ماينفعش يفوت التنجيد ولا بأى عذر.. كنا أول فرحة بتدخل أى بيت والمعازيم يدونا نقطة.. بس دلوقتى نادراً ما هتلاقى حد بيطلب نروح ننجد له وبيكون مستنى إمتى هنمشى».
واتفق معه فى ذلك «سمير» حيث إنه هو شخصياً عزف ابنه عن العمل كمنجد «التنجيد مابقاش زى زمان، ماحدش بيتعلم ولا حد بيعلم ولاده، الصنعة دى ماتعيشنيش والشاب عايز يبدأ حياته فيفكر يتوظف فى شركة أحسن.. كنا زمان نمسك العصايا والقوس طول اليوم نشتغل.. بالوضع ده 3 سنين ومش هتلاقى منجدين، لكن لو عرف الناس إن التنجيد البلدى أحسن للضهر وكمان بيعيش أكتر هيفضلوه على الجاهز.. فيه ناس بتيجى بعد شهرين يقولوا عايزين نعمل مراتب بلدى علشان الجاهزة باظت».