هكذا تكلم رهبان "أبومقار" عن "إبيفانيوس": رجل سلام لا يرد الإساءة
البابا يتوسط رهبان دير أبو مقار
رفض غلق «الواتس آب» لمعارضيه.. ظل ينام على حصيرة طيلة سنوات رهبنته.. ورفض أن تُنشد له الألحان مثل الأساقفة
لم يجلس على كرسى الأسقفية بل على الأرض.. وامتنع عن ارتداء الملابس الفاخرة
طعامه قليل جداً.. وأُصيب بأمراض وقرح ونزيف داخلى من شدة تجرّده
عاش عفيفاً زاهداً فقيراً.. ولم تضف له الأسقفية شيئاً سوى مزيد من التواضع
فى كتاب من القطع المتوسط، بلغ عدد صفحاته 262 صفحة، حكى رهبان دير «أبومقار» بوادى النطرون عن الأنبا «إبيفانيوس»، رئيس ديرهم المغدور به، فى الذكرى السنوية الأولى لرحيله، تحت عنوان: «الأنبا إبيفانيوس الذى أحب الرهبنة»، استهلّوه بتقديم إهداء إلى البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، جاء نصه: «إهداء إلى البابا تواضروس الذى أحب الرهبنة، وأحب الأنبا إبيفانيوس الذى أحب الرهبنة»، واشتمل الكتاب على تعاليم وعظات وكتابات رهبانية للأسقف الراحل.
وافتتح رهبان الدير الكتاب بفصل حمل عنوان «الأنبا إبيفانيوس.. أسقفنا المحبوب»، قالوا عنه: «وجه مشرق، وابتسامة عذبة، كلمات معزية تشيع السلام فى نفس كل من يسمعها.. هذا هو الانطباع الذى يرتسم أمام عيوننا على الفور بمجرد ذكر اسم أنبا إبيفانيوس».
وانطلق الرهبان يحكون عنه منذ مولده وحتى وفاته، مشيرين إلى أن «إبيفانيوس» بعد سيامته راهباً بفترة وجيزة، سرعان ما تجلت مواهبه العديدة ما أهّله للاضطلاع بعدة مسئوليات مهمة فى الدير، منها «العناية بالرهبان المرضى، الاهتمام بمكتبة الدير، مراجعة مطبوعات الدير، والمشاركة فى إدارة الحسابات المالية».
وعن صفاته بعد الرسامة الأسقفية، يقول الرهبان: «ظل على الدوام كما هو، فلم يقبل مطلقاً أن يعمل له أحد ميطانية (سجود)، وكان يرفض أن تقال له الألحان التى تُرتل للأساقفة، ولم يجلس أبداً على كرسى الأسقفية، الذى لم يكن سوى كرسى بسيط، بل كان يجلس على الأرض كبقية الرهبان، ويرفض ارتداء الملابس الفاخرة الخاصة بالأساقفة ويكتفى بـ(تونية بيضاء بسيطة مثل بقية الخدام)، ويعتبر مهمته الأساسية كأسقف هى أن يرأس خدمة قداس الأحد، ولهذا كان حريصاً على ألا يتغيب أبداً عن هذا القداس، إلا لدواعى السفر أو المرض».
ويضيف الرهبان: «لم تضف له الأسقفية شيئاً سوى مزيد من التواضع، عاش عفيفاً، زاهداً، فقيراً، متجرداً، يرفض تماماً أى تمييز أو تكريم، ولذلك لم يحسب نفسه أبداً رئيساً أو كبيراً، بل مجرد أخ بين الرهبان، ولم تحتوِ قلايته (سكنه) على شىء يزيد على قلاية أى راهب فى الدير، ومنذ أن ترهب لم ينم على سرير، بل حصيرة على الأرض، الأمر الذى أثار تعجب القمص (أنجيلوس اسحق) سكرتير البابا، الذى حضر بعد حادثة مقتل الأسقف مباشرة، وعاين قلايته».
ويتابع الرهبان: كان يمتنع عن الرد على الإساءات إلا بمزيد من المحبة واللطف، وحينما ترجّاه الرهبان القريبون منه أن يأمر بإغلاق مجموعة المراسلة التليفونية «واتس آب»، التى كوّنها مجموعة من الرهبان المناوئة له بالدير، ولم يكفوا فيها عن انتقاده دون مراعاة لحدود اللياقة، كان الأنبا إبيفانيوس يجيب ببساطة: «أنا أحترم حرية الرأى، إننا بالمحبة لا بالقهر ينبغى أن نربحهم».
ويعتبر الرهبان أن الخسارة إثر رحيل الأنبا «إبيفانيوس» أصابت الدير والكنيسة القبطية، بل والكنيسة فى العالم أجمع، مشيرين إلى أنه «اُختطف من الأرض فى غفلة من الزمان»، وفقدت الكنيسة والرهبنة راهباً حقيقياً، عاش للرهبنة، وأخلص لها، ومات من أجلها».
وتحت عنوان «صورة عن قرب»، يشير الرهبان إلى أن الأسقف لم يدخل منزلاً للزيارة قط، وأى شخص يريد مقابلته، عليه أن يتجه إلى الدير مباشرة، ولم يكن يحضر صلاة إكليل (زفاف)، وإن كان أحياناً يشارك فى واجبات العزاء، فحياته الشخصية كانت تشهد أنه كان قنوعاً عفيفاً بسيطاً جداً، وكان طعامه قليلاً جداً، ومن قسوة ما يعانيه لحساسية نفسه ورهافة مشاعره، أُصيب بأمراض وقرح ونزيف داخلى.
ويردف الرهبان: «لم يكن رجل خصام، ولا يميل للمجادلات، ولم يكن يرد الإساءة بالإساءة، أو الانفعال بالانفعال، وكان صبوراً وديعاً، يؤثر السلام والتنازل، ولا تخرج من فمه كلمة ليست فى محلها، ومع هذا لم يكن رجلاً خانعاً ضعيفاً، بل كان يستر على الأخطاء، ولا يشهر أو يفضح أحداً».
ويكشف الرهبان أن الأسقف الراحل كان محباً للغة العربية، وضليعاً فيها، ويهوى الشعر ويقرضه أحياناً ويحفظ أبياتاً كثيرة منه، وكان يضايقه جداً أى خطأ فى التشكيل يسمعه من شمّاس يقرأ فى الكنيسة، وكان هو المؤسس الفعلى لمكتبة الاستعارة بالعربية فى الدير، حيث أحضر غالبية الكتب.
ويوضح الرهبان فى كتابهم أنهم لم يذكروا للأسقف معجزات أو يدعون عليه أموراً خارقة، بل كان واحداً منهم، يعيش مثلهم، ويتلاطم مع أمواج الحياة العنيفة.