"إبيفانيوس" في حوار عام 2016: دير "أبومقار" ليس مجتمع قديسين وبه أخطاء
الأنبا إبيفانيوس
يوجد من ترهبن بسبب مشاكل اقتصادية أو أن يكون قسا ليصلي ويُقبّل الناس يديه
نشر دير أبومقار بوادى النطرون، في الكتاب الذي أصدره في الذكرى السنوية الأولى لرحيل الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس الدير، حواراً له، مع رهبان دير بوزى فى إيطاليا، خلال حضوره المؤتمر الدولى عن الأب «متى المسكين»، الذى عُقد يومَى 21 و22 مايو 2016، ووصف فيه الأسقف الراحل دير أبومقار بأنه «مجتمع مجاهدين وليس قديسين»، مشيراً إلى وجود بعض الأخطاء بالدير، وأنه ليس مثالياً مائة بالمائة، لافتاً إلى وجود أشخاص قرروا دخول الرهبنة لمرورهم بمشاكل اقتصادية أو كى يُصبح أحدهم قساً يُصلى بالناس ويقبّلون يديه، مؤكداً بحزم أن «الكهنوت أفسد الرهبنة»، وتسبب فى صراعات بين الرهبان الجدد كى يصبحوا «كهنة».. إلى نص الحوار:
الكهنوت أفسد الرهبنة وتسبب في نشوب صراعات رهيبة بين الرهبان الجدد
* كيف يتم إنكار الذات فى ديركم؟
- لا أريدكم أن تظنوا أن دير أنبا مقار هو مجتمع قديسين، نحن مجتمع مجاهدين، بيننا رهبان متقدمون جداً فى الطريق، وأيضاً يوجد أناس متخلفون جداً عن الطريق، وهناك رهبان وصلوا إلى أعلى مستويات إنكار الذات، فى مقابل وجود رهبان يرفضون إنكار الذات تماماً.
* كيف يمكن معالجة المشاكل بين الأجيال داخل الدير؟
- أهم شىء يحدد مسيرة الراهب فى هذا الموضوع ليسير بشكل صحيح هو الغرض أو الهدف من رهبنته، هل ترهبن ليعدل الدير أم يعدل المسيرة الرهبانية أم لخلاص نفسه؟. هذه الحرب يحارب فيها الكبير والصغير، وفى كلتا الحالتين سواء كان الراهب شيخا أو شاباً، إن نسى الغرض من خروجه إلى البرية سيختل ميزان حياته، فتبدأ المعارك كل يوم، وتحدث مشاكل كل يوم، ويبدأ الشك فى أب الدير وفى الشيوخ، ويبدأ الصراع بين الأجيال.
لن تتم وحدة الكنائس إن لم يكن هناك رهبان فى الأديرة يصلون لأجلها
* ما الذى يبحث عنه من يقترب من الحياة الرهبانية فى أديرتكم؟ وما الأوهام الأكثر شيوعاً؟
- يوجد من ترهبن بسبب مشاكل اقتصادية فى الأسرة، فيذهب إلى الدير حيث يتوفر له أكل وشرب مجانى، أو يوجد من يترهبن لأنه يتمنى أن يكون قساً فيصلى وتُقبَّل يداه، فالهدف من الرهبنة يختلف بين واحد وآخر، فقط من دخل لخلاص نفسه يستطيع مواصلة المسيرة، أما الآخر فربما يترك الدير فعلياً ويعود إلى العالم، أو يترك الرهبنة وهو داخل الدير، وهذا أصعب نوع من الرهبان.
* ما الصفات التى تنظر إليها بشكل خاص حين تستقبل شباباً فى الدير ليترهبنوا؟
- لا أسألهم إلا عن شىء واحد فقط: لماذا أتيت لتترهبن؟ لا يهمنى تعليمه أو سنه، أنا أريد أن أطمئن على سبب مجيئه لطلب الرهبنة، هل جاء لأجل الزى أم لخلاص نفسه، وأنا أخبره بأنه يوجد أخطاء فى الدير، وأن مجتمعنا ليس سليماً مائة بالمائة، ويوجد إخوة يأتون إلى الدير ليختبروا، ويقولون إنهم يريدون الرهبنة من أجل خلاص أنفسهم، لكن بعد تمثيل يستمر لمدة سنة وسنتين وثلاث، يتضح فى النهاية أن لهم أغراضاً أخرى من الرهبنة، وأنا دائماً أقول للأخ تحت الاختبار: «أنا لا أراقبك أثناء فترة اختبارك، ليراقب كل واحد فيكم نفسه، وكن صريحاً مع نفسك، لو أقمت فى الدير لمدة سنة مثلاً ثم اكتشفت أن الرهبنة ليست طريقك، أفضل لك أن تضحى بسنة واحدة من حياتك من أن تضحى بخمسين سنة وأنت فى خداع»، وللأسف هناك من يكتشف بعد سنة أن الرهبنة ليست طريقه لكنه يخجل أن يعود إلى أسرته فيقولون عنه إنه راهب فاشل.
* لماذا لا تحبون أن يُطالب الرهبان بالكهنوت؟
- علّمنا شيوخ ديرنا أنه توجد أمور معينة أفسدت الرهبنة فى الكنيسة القبطية، وأكثرها ضرراً للرهبنة هو الكهنوت. فى الرهبنة يكون الكهنوت عنصراً منافياً للاتضاع، فالراهب الكاهن يشعر فى نفسه أنه الأب والمدبر، فيبدأ فى طلب أن يقيم القداسات للضيوف فى الدير، وخطورة الكهنوت فى الرهبنة كبيرة جداً، ولقد اقتحم الكهنوت الأديرة فى الخمسين سنة الأخيرة إلى درجة أنك إن وجدت 100 راهب فى دير ما، فسيكون جميعهم كهنة، وأهم دليل على خطورة الكهنوت على الرهبنة نشوب صراعات رهيبة بين الرهبان الجدد ليكونوا كهنة.
* ما أشد خطيئة فى الدير يمكن أن تضرب الحياة الرهبانية فى جذورها؟
- الإدانة، فهى تُخفى فى طياتها خطايا كثيرة مثل الغيرة والحسد والحقد والنميمة، وتعنى غياب الحب، والمحبة الأخوية تعنى أنى أعرف أنه من أب الدير إلى أصغر عضو فى الدير مروراً بالشيوخ، الجميع أتوا ليتوبوا، فإذا أدركت هذا أفهم أنه ليس من حقى أن أُدين أحداً.
* كيف ترون دور الرهبان فى التقارب بين الكنائس؟
- الرهبنة هى قلب الكنيسة، والمعاهد الإكليريكية والأساقفة والحوارات هى عقل الكنيسة، ونحن نحتاج إلى قلب ليضخ دماً فى الجسد كله، فإن لم يكن هناك رهبان فى الأديرة يصلون لأجل وحدة الكنائس لن تتم الوحدة، والصراع فى الحوارات الكنسية الآن على مستوى العالم كله لا يخص المشاكل اللاهوتية والعقائدية التى تعوق الوحدة بين الكنيسة والأخرى، وإنما الشغل الشاغل لهذه الحوارات هو السؤال: «من هو الأكبر؟»، الراهب عمله أن يكسر هذه الحلقة المفرغة لأنه يمارس كل يوم إماتة الذات، ولا أظن أنه يوجد على مستوى الكنيسة أى أسقف مستعد أن يتنازل عن رتبته، لكن الراهب عمله أن يتنازل عن كل شىء باستمرار.