مستشفى "التضامن" يُجرى أول جراحة بالمنظار.. والمرضى: "مش مصدّقين إننا مش هنحتاج للمستشفيات الخاصة تانى"
تجهيزات كاملة داخل مستشفى التضامن
طوال سنوات كثيرة، ظل جابر السيد، 54 عاماً، نجار مسلح، يعمل فى مجال المعمار دون كلل، حتى أقعده المرض قبل 3 أعوام فقط، فطرق أبواب المستشفيات الحكومية فى بورسعيد، لكنها لم توفر له ما تحتاجه حالته من إمكانيات، فهو يعانى من الإصابة بـ«سرطان الرئة». وبعد محاولات كثيرة فاشلة للعلاج فى مستشفيات بورسعيد، نصحه المقربون باللجوء إلى مستشفيات القاهرة لإجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من نسبة تضرر الرئة من الورم، الذى داهمه دون إنذار.
"جابر": تعبت ودُخت السبع دوخات ولما عرفت إن فيه نظام جديد للتأمين كنت أول واحد مشترك
«جابر» أحد أبناء محافظة بورسعيد، الذين عانوا لسنوات طويلة من تدنى الأوضاع الصحية، بسبب ضعف إمكانيات مستشفيات التأمين الصحى «تعبت وصرفت كتير ودوخت السبع دوخات علشان أعرف عندى إيه، لحد ما عرفت إن فيه نظام جديد للتأمين هيبقى فيه كل حاجة، ومش هسافر تانى القاهرة علشان أعمل تحليل أو أشعة، قلت ربنا كريم وحاسس بالعذاب اللى أنا فيه، ومع أول يوم فى النظام الجديد، كنت أنا أول واحد يشترك ويعمل كارت لأسرته».
مع بداية شهر يوليو الماضى، بدأ التطبيق التجريبى لمنظومة التأمين الصحى الشامل فى محافظة بورسعيد، ومعه هلل المواطنون فرحاً، فبعد معاناة استمرت سنوات عديدة، جاء قرار الرئيس بتفعيل المنظومة لتخفيف الضغوط على المواطنين، خاصة الفقراء، الذين لا تسعفهم ظروفهم المادية للذهاب إلى المستشفيات الخاصة، وقال محمد إبراهيم، سائق، ٤٣ عاماً، «اتأكدت فعلاً إن الرئيس همّه راحتنا، مكناش نحلم باليوم ده، المستشفيات الخاصة كانت كابوس بالنسبة لينا، لأن مصاريفها كتيرة، والمستشفيات الحكومية مكنش فيها إمكانيات، يعنى فى الأمراض الصعبة كان لازم أروح لمستشفيات خاصة، وإلا هموت، وكنا بنستحمل إنها تمص دمنا من غير أى رحمة».
تحركت عقارب الساعة معلنة أذان الظهر، ومعه بدأت حركة المواطنين تزداد داخل مستشفى «التضامن التخصصى»، بحى المناخ، شارع بورسعيد، والذى شهد إقبالاً كثيفاً من المواطنين مع بدء تفعيل منظومة التأمين الصحى الشامل.
أمام مبنى ضخم، مكون من ثلاثة طوابق بخلاف الأرضى، تزينه الأشجار، جلس خالد أحمد، ٦٢ عاماً، من منطقة المنشية، ينتظر دوره، حتى يتمكن من استخراج الكارت الخاص به وبأسرته، يقول: «لحد دلوقتى مش مصدّق نفسى، ولا قادر أقتنع إنى هدخل مستشفى حكومى، وأخرج منه بكل العلاج، من غير ما حد يقولى روح اشترى علاجك من بره، أو يطلبوا منى تحليل وميكنش موجود أصلاً فى المستشفى، وأروح أعمله بره على حسابى»، مضيفاً «منظومة التأمين طوق نجاة للمواطنين، مفيش تعقيد، كل المطلوب بطاقة الرقم القومى وشهادة ميلاد كل أفراد الأسرة، وكل ده من غير ما أدفع جنيه واحد».
وبجوار بوابة أمنية، جلس أفراد من شركة الأمن، التى تعاقدت مع وزارة الصحة على تأمين الوحدات والمستشفيات التابعة لها فى بورسعيد، يرتدون زياً موحداً، ولم يقتصر الوجود الأمنى على الرجال فقط، بل كان العنصر النسائى حاضراً، لتسهيل التعامل مع السيدات.
فى الطابق الأرضى، توجد جميع الوحدات المعاونة، كغرفة الطوارئ، إلى جانب معامل الأشعة، وغرف الغسيل والتعليم، والصعود إلى الطوابق العليا ميسر للجميع من خلال أحد المصاعد الكهربائية المخصصة للمواطنين، وفى الطابق الأول توجد ٣ غرف عمليات مجهزة بأحدث التقنيات التى توصل لها العلم الحديث، فضلاً عن بعض الأجهزة المستحدثة، التى لم تعرفها مستشفيات بورسعيد من قبل، كجهاز الأشعة المتحرك، الذى يصل إلى سرير المريض ويتحرك آلياً، أرضيات المستشفى تبدو نظيفة وذلك لوجود دوريات مستمرة من عمال النظافة، التى تحرص على نظافة المستشفى بشكل عام، باستخدام أحدث وسائل النظافة والتعقيم، وفى الطابق الثانى توجد غرفة رعاية مرضى الأورام، وفى الثالث توجد غرفة رعاية مرضى القلب.
مدير المستشفى: المنظومة استطاعت جذب الأطباء بالرواتب المجزية وتوفير السكن المميز.. و"بقى عندى 60 طبيب بعد ما كانوا 5 فقط"
وقال الدكتور مصطفى شعبان، مدير عام مستشفى التضامن ببورسعيد، إن نجاح منظومة التأمين الصحى الشامل بشكل عام يرجع إلى اهتمام الدولة بصحة المواطنين، بالإضافة إلى حرص الوزارة الشديد على تقديم الخدمات الصحية بشكل يليق بالمواطنين، وتحسين الخدمات التى تقدمها الهيئات التابعة للوزارة. وأضاف: «دلوقتى بقى عندى فى المستشفى كل الخدمات اللى ممكن يحتاجها المريض، ده غير وجود خدمات مستحدثة، زى جراحة المناظير، والأورام، ومعظم الخدمات دى مكنتش موجودة قبل كده».
وعن أبرز الجراحات التى أجراها المستشفى منذ بدء العمل بالمنظومة الجديدة يؤكد «شعبان»: «مكنش متاح قبل كده جراحة منظار للركبة أو الكتف، ولا حتى جراحات الرباط الصليبى، لكن مع بداية تطبيق المنظومة الجديدة حصلت طفرة حقيقية فى جميع الخدمات اللى المستشفى بيقدمها، إمبارح كان عندى جراحة منظار للركبة، ودى أول مرة تحصل فى بورسعيد، وتم الاستعانة باستشارى لإجراء العملية، وحالة المريض دلوقتى مستقرة، وعلى الرغم من التكلفة المرتفعة لأى عملية من النوع ده، إلا أن المريض ما دفعش جنيه واحد، من لحظة دخوله المستشفى لحد ما دخل أوضة العمليات».
ويشدد مدير مستشفى التضامن، على عدم وجود نقص فى الكوادر الطبية «قبل كده كان كل الفريق الطبى اللى معايا مكنش يزيد عن خمس أطباء، النهارده فعلياً عندى ٦٠ طبيب، ولسه منتظرين وصول بعض الأطباء، زيادة العدد تؤكد حرص الأطباء المصريين على إنجاح المنظومة، لأنها هتفيد الكل من مواطن وطبيب»، ويتابع: «المواطن هيستفاد من توافر كل الإمكانيات فى سبيل راحته، كان زمان المستشفى مكنش بيعالج غير المواطنين الحاملين للبطاقة الخضراء، وأى مواطن تانى ملوش حق فى العلاج، لكن النهارده بقى كل فرد فى الأسرة له حق العلاج».
ويتابع: «طريقة التسجيل ميسرة ومفيهاش تعقيد وبتكون بالبطاقة وشهادة الميلاد بالنسبة للأطفال، وده خلّى الناس هنا تقبل بشكل كثيف على التسجيل، لدرجة وصلت لخمسة أضعاف النسب المسجلة قبل كده، والأرقام بتقول إنى كان عندى ٤٠ حالة بس فى اليوم وبعد القانون الجديد أصبح عدد الحالات ٢٤٦ حالة، دى الاستفادة المتعلقة بالمريض»، مضيفاً «بالنسبة للطبيب، فالمنظومة الجديدة بتحاول توفر له كل سبل الراحة، من خلال التسكين والمرتبات، كل الأطباء لهم سكن مميز فى المستشفى، وده شجع عدد كبير منهم إنه ييجى ويرحب بالفكرة، ده غير الأجهزة الجديدة برضه، ودى سهلت التشخيص الطبى، فبعد ما كان المريض بيخاف ييجى المستشفى بسبب نقص الوسائل اللى بتساعد الطبيب على التشخيص الصحيح، بقى دلوقتى بيدخل وهو مقتنع ومتأكد إنه هيلاقى خدمة تليق بيه وتقترب بجودتها من المستشفيات الخاصة».
وعن الحالات التى يحق لها العلاج يقول «شعبان»: «العلاج بيتصرف لكل الحالات سواء المسجلة بالنظام القديم أو الشامل، أى مواطن بيكون مسجل فى الوحدة له الحق ياخد علاجه بالكامل من غير ما يصرف جنيه واحد»، مضيفاً: «دلوقتى متوفر عندنا العلاج الكيماوى، وده مكنش موجود فى بورسعيد قبل كده».
ويكمل حديثه قائلاً: «لو هنتكلم عن الجزء الخاص بالتنظيم والتنسيق بين المستشفيات فده وصل لدرجة كبيرة من التفاهم والتواصل، فلو عندى فحص مش متاح، بقدر أبعت المريض بعربية إسعاف مجهزة توصله للمستشفى اللى موجود فيه الفحص ده، وبعد ما يخلص كل الورق الخاص بحالته الصحية بيرجع على الوحدة اللى سجل فيها أول مرة، ودى لازم تكون فى النطاق الجغرافى اللى هو ساكن فيه».
وتقول هدى الزغبى، مدير صيدلية الخارجى بالمستشفى، إن منظومة التأمين الصحى الشامل أوجدت أصناف أدوية لم تكن موجودة من قبل، بالإضافة إلى إتاحة إمكانية صرف العلاج بأصناف قد تصل فى بعض الحالات إلى ٧ أصناف، بعد أن كان صرف الدواء يقتصر فقط على ٣ أصناف فى الروشتة: «فى حالة وجود نقص فى الأدوية المستوردة هيكون فيه تعاقد مع سلاسل صيدليات والخصم هيكون بنسبة كبيرة، علشان المريض يدخل المستشفى يلاقى فيه كل حاجة من أول المعامل والتشخيص حتى مرحلة صرف الدواء».
وتؤكد «الزغبى» أن هناك اتجاهاً قوياً، بفتح مخزن أدوية داخل المستشفى على غرار المستشفيات الخاصة، على أن يتم إغلاق المخزن الرئيسى نظراً لعدم الحاجة إليه فى الفترة المقبلة.