نظرة متفحصة لهم تخيل لك على الفور أن بداخلهم طاقة خارقة، يحملون أوزاناً ثقيلة فوق ظهورهم وأكتافهم ورؤوسهم، ويجرّون المزيد وكأن أياديهم مصنوعة من حديد، لا تشعر بألم، طلباً لرزق حلال يفى بالتزاماتهم المعيشية.
فى شوارع العتبة والحسين والموسكى، اعتاد فرج عبداللطيف أن يبدأ عمله فى السادسة صباحاً وحتى الرابعة عصراً، يجر أوزاناً ثقيلة على «الأزأ»، المهنة التى يمارسها معظم سنوات عمره، ولا يعرف سواها.
"فرج" يجر أكثر من 200 كيلو
ورغم أن عمره اقترب من الستين، فإنه يقوم بعمل بطولى يومياً، فيجر حمولة تزن 200 كيلوجرام، ويقطع مسافات طويلة دون شكوى، يرضى بما يعطيه له الزبون دون فصال: «ممكن النقلة تعمل 15 أو 20 جنيه»، بحسب «فرج»، الذى لم تمكنه مكاسبه البسيطة من الزواج، ودائماً كان يشعر بخوف من تحمل مسئولية عائلة لا يقدر على الإنفاق عليها: «أنا كده بطولى مرتاح».
ولم يجن «فرج» من المهنة سوى آلام فى اليدين والظهر، أجرى بسببها عمليتين، ولم يتوقف عن العمل وجر الأوزان الثقيلة.
"محمد" يحمل بضائع تزن 500 كيلو
فى المناطق نفسها، يحمل محمد أحمد، 22 عاماً، أكثر من 500 كيلوجرام يومياً، ويسير بها لمسافات طويلة من العتبة وحتى محطة غمرة، ويقف قليلاً ليستريح ثم يواصل عمله الشاق من 10 صباحاً وحتى العاشرة مساءً، دون كلل أو ملل: «مهما كانت صعوبة الشغلانة، أحسن من الشغل عند صاحب محل يتحكم فيا».
يحكى «محمد» أنه يشعر بحرية رغم مشقة عمله وصعوبته، فيرى به براحاً وإمكانية اختيار مواعيد عمله، وفى مرة قرر العمل فى محل، ولم يستطع الاستمرار أكثر من أربعة أيام، ثم تركه وعاد مجدداً لاختياره الأصعب.
أما أسوأ ما يواجهه «محمد» فى عمله، فهو أن تتعرض بضاعة يحملها للتلف، فيتذكر أنه فى إحدى جولاته كسر بعض البضائع أثناء نقلها، واضطر لدفع نصف ثمنها: «محدش بيرحم والغلط له تمن».
"نجلاء" تصعد درجات السلم بـ15 كيلو خرسانة على رأسها
العمل البطولى ليس حكراً على الرجال، فكانت نجلاء محمد تحمل ما يفوق الـ50 كيلو من الخرسانة فوق رأسها، وتصعد بها درجات سلم لارتفاع متر ونصف المترر بعد السير لمسافة 15 متراً: «كنا بنصب فى عمدان الخرسانة مونة، وبنشيل لحد ما نتعب».
«نجلاء» عملت فى نفس وظيفة نساء قريتها بالشرقية قبل سنوات، ولكن أدوات المهنة تطورت، وتحكى أنها تعرف سيدات ضعف نظرهن وتساقط شعرهن بسبب الحمل الثقيل الذى سكن رؤوسهن لسنوات، إضافة إلى ألم الفقرات والظهر ومشاكل أخرى، ورغم ذلك يتمسكن بالمهنة حتى الآن: «بنشتغل من 8 الصبح لـ6 المغرب».
تعليقات الفيسبوك