عقب استقالة "أوغلو".. متى بدأ الخلاف بين "داوود" و"أردوغان"؟
داوود أوغلو وأردوغان
جاءت استقالة رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو من الحزب الحاكم لتؤكد عمق الدرجة التي وصلت إليها الخلافات بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي بسببها أحيل "داوود أوغلو" في السابق إلى لجنة تأديبية كانت ستتخذ قرارا بطرده من الحزب.
ولم تكن الخلافات بين قطبين من مؤسسي حزب العدالة والتنمية الحاكم وليدة اليوم أو الأمس القريب وإنما تعود لنحو 4 سنوات، يبدو أنه وضع لها حد داخل الحزب الحاكم اليوم باستقالة "أوغلو" رسميا، لتنقل المعركة لاحقا فيما يبدو إلى الساحات الحزبية، حال شكل الأخير حزبا جديدا أو انضم إلى حزب يعتزم تأسيسه وزير الاقتصاد السابق علي باباجان والذي استقال بدوره قبل فترة أيضا من الحزب الحاكم.
وترصد "الوطن" في الأسطر التالية أهم الملفات التي شكلت محور الخلافات بين "داوود أوغلو" و"أردوغان"، والتي في النهاية دفعت بالأول إلى الاستقالة من الحزب الحاكم.
النظام البرلماني والتعديلات الدستورية: القشة التي قصمت ظهر البعير
كان أحمد داوود أوغلو مقتنعا بضرورة أن تبقى تركيا على النظام البرلماني، الذي يمنح رئيس الوزراء السلطات الواسعة في حين يكون منصب رئيس الدولة شرفيا أو يتمتع بقليل من الصلاحيات، وكان يعتقد أن النظام البرلماني من شأنه منح فرصة أكثر لتغيير الوجوه والابتعاد قليلا عن استئثار "أردوغان" بالسلطة، إلا أن هذا الأمر بطبيعة الحال لم يرق للرئيس التركي، الذي كان يريد تعديلا دستوريا يمنحه صلاحيات واسعة كرئيس للجمهورية، بعد عدم مقدرته الترشح لرئاسة الوزراء مرة أخرى عام 2014، فعدّل "أردوغان" الدستور، على عكس رغبة صديق الأمس.
الموقف من الحقوق والحريات: انتقادات في العلن
كان الحديث عن الحقوق والحريات في تركيا واحد من الأمور التي انتقد أحمد داوود أوغلو فيها علنا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ اعتبر "أوغلو" في أكثر من مناسبة أن هناك تراجعا كبيرا في الحقوق والحريات، معتبرا أن هذا انقلاب على المبادئ التي تأسس عليها الحزب، على حد قوله، كما دعا "داوود أوغلو" لرفع القيود على حقوق المواطنين وحرياتهم، وعلى حرية الإعلام، معتبرا كذلك أن هذا في مصلحة الدولة، وقد تفاقمت حالة حقوق الإنسان في تركيا بالفعل منذ محاولة الانقلاب العسكري التي وقعت منتصف يوليو من عام 2016، لتعقبها حملة اعتقالات وإقالات وصلت مئات الآلاف من الموظفين والعسكريين.
الموقف من الحملة على الأكراد: رفض مطلق أحرج "أردوغان"
ورغم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في فترة من الفترات كان يتبنى مسألة السلام مع الأكراد، إلا أنه مع حسابات انتخابية أراد منها الحفاظ على سلطته، قرر الانقلاب على الأكراد بعد تحقيقهم مقاعد برلمانية على حساب الحزب الحاكم، ما اضطر "أردوغان" إلى التحالف مع حزب الحركة القومية المتشدد، وقد كان التحالف يعتمد بالأساس على موقف أكثر تشددا من قضايا الأكراد، حيث شنت السلطات التركية حملات واسعة من الاعتقالات والتنكيل بالمواطنين الأكراد خصوصا في مناطق جنوب شرق البلاد، كما تم اعتقال عدد من قادة حزب الشعوب الديمقراطي الكري بتهم إرهاب لم تثبت صحتها بعد، وشهدت الأسابيع الماضية إقالة 3 رؤساء بلدية أكراد من منصبهم بدعوى دعمهم للإرهاب، هذه التحركات لم تكن تلقى قبولا لدى "أوغلو" الذي ندد علنا بهذه الحملة حتى لو لم تكن بشكل مباشر، وبدا وكأن رئيس وزراء تركيا الأسبق في جبهة مضادة وقوية داخل الحزب الحاكم.
2015.. دعم "هاكان" وتحكم "أردوغان"
يعيد كثير من المتابعين للشأن التركي بداية الخلافات بين أحمد داوود أوغلو ورجب طيب أردوغان إلى عام 2015 عندما قرر مدير المخابرات التركية هاكان فيدان الاستقالة من منصبه وأن يترشح للانتخابات البرلمانية على قوائم الحزب الحاكم، وكان أحمد داوود أوغلو أحد الداعمين بقوة لمسألة ترشح هاكان فيدان، إلا أن "أردوغان" رفض ذلك وجعل رئيس المخابرات يعدل عن قراره على عكس رغبة "داوود أوغلو".
انتخابات برلمان 2015 ترسخ الخلاف أكثر
وعندما جرت الانتخابات البرلمانية 2015 في تركيا خسر حزب العدالة والتنمية الأغلبية التي تتيح له تشكيل حكومة منفردا، فكان لا بد من تشكيل ائتلاف حكومي جديد، كان أحمد داوود أوغلو وقتها رئيسا للوزراء وكانت لديه قناعة بإمكانية تشكيل حكومة ائتلافية ربما يكون حزب الشعب الجمهوري شريكا فيها وهو حزب المعارضة الكمالية الرئيسي في البلاد، إلا أن "أردوغان" لم يرغب فيما كان يسعى له "أوغلو"، ورفض مسألة الدخول في هذه الحكومة الائتلافية ودفع نحو إجراء انتخابات مبكرة وهو ما قد كان بالفعل، وصولا لاستقالة أحمد داوود أوغلو نفسه من رئاسة الوزراء واختيار بن علي يلدريم بدلا منه.
تحفظات "أوغلو" على سياسة "أردوغان" الخارجية
كان "داوود أوغلو" أكثر مرونة في التعامل مع كثير من ملفات السياسة الخارجية، ولما لا وهو صاحب نظرية "صفر مشكلات" عندما كان وزيرا للخارجية، والتي مكنت "أنقرة" من أن تكون الدولة الصديقة لمعظم جوارها ولمعظم القوى الدولية، وقد كان "أوغلو" موضع ثقة خصوصا لدى أوروبا، التي عندما أرادت التفاوض بشأن ملف المهاجرين مع "أردوغان" اختاروا التفاوض مع أحمد داوود أوغلو، ما جعل الرئيس التركي يستشعر منه الخطر.
كما كان لدى رئيس الوزراء الأسبق كثير من التحفظات على تحركات السياسة الخارجية التركية إزاء بعض الملفات مثل الأزمة السورية، ومن ذلك إقحام الجيش التركي بهذه الدرجة في الأزمة السورية.