لم يكن الاحتفال بالمولد النبوى فى عهد الخلفاء وما تلاهم فى دولتى الأمويين والعباسيين وغيرهما له طابع خاص، إلا أنه مع دخول عهد الدولة الفاطمية فى مصر شهدت مصر أول احتفال بالمولد النبوى عرفه المصريون، وأقيم الاحتفال فى عهد الخليفة الفاطمى «المعز لدين الله»، وهم أول من وضعوا أساس هذا الاحتفال، وبات طقساً اجتماعياً له مظاهره التى تسبق يوم ذكرى المولد النبوى وتمتد لبعده بأيام، وإذا كان الفاطميون هم من أسسوا لبعض مظاهر الاحتفال بمولد النبى الكريم، إلا أن المصريين أضافوا له من روحهم وميراثهم الحضارى الكثير، وهو ما يعكسه تأسيس صناعة حلوى المولد فى مصر، ومهرجانات بيعها قبيل أيام من المولد النبوى، كذلك يعود للمصريين فكرة «الحصان للذكر والعروسة للأنثى» كنوع من خصوصية الاحتفاء بمولد النبى، فالحصان رمز للفتوة والقوة بالنسبة للذكور صبية أو رجالاً، والعروسة رمز للحلم الأنثوى بأن تصل الفتاة لسن الزواج وتتهيأ لحياة اجتماعية جديدة، تؤدى فيها دورها المقدس فى الحياة كزوجة وأم.
الفاطميون أول من احتفلوا بمولد النبى بمشاركة رجال الدولة والشعب وتوزيع الصدقات والحلوى وإقامة المواكب
وقال المؤرخون إن جميع مكونات الدولة بدءاً من الخليفة ومروراً بالوزراء والعلماء وصولاً إلى عامة الشعب كانوا يحتفلون بهذه الذكرى، ويتم توزيع الحلوى بأشكالها المختلفة كالطيور والقطط والخيول والعرائس «عروسة المولد»، كما أسس الفاطميون نظاماً يهدف إلى تخزين جميع المواد التموينية من سمن وسكر وزيت ودقيق، كى تصنع من هذه المواد الحلوى، وكانت الحلوى توزع بأمر الخليفة على جميع طبقات الشعب فى جميع المناسبات الدينية، وبصفة خاصة المولد النبوى.
الدكتور عبدالمنعم سلطان، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، وصف فى كتابه عن الحياة الاجتماعية فى العصر الفاطمى احتفالات المولد النبوى قائلاً: «اقتصر احتفال المولد النبوى فى الدولة العبيدية (الفاطمية) بعمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات، أما الاحتفال الرسمى فكان يتمثل فى موكب قاضى القضاة حيث تحمل صوانى الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخليفة حيث تلقى الخطب، ثم يدعى للخليفة، ويرجع الجميع إلى دورهم».
الأزهر، من جهته، أكد أن شراء حلوى المولد وأكلها فى ذكرى المولد النبوى الشريف أمر مباح ومن باب أنواع القرب لله رب العالمين حمده وشكر نعمته سبحانه وتعالى على خلقه؛ ولذلك افتتح سبحانه كتابه بقوله «الحمد لله رب العالمين».
وأضاف الأزهر فى فتوى لمركز الأزهر العالمى للفتوى: معلوم أن بدر التتمة، وسيد الختام، نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام هو الذى أتم الله به النعمة، وقوم به الملة، وهدى به العرب والعجم، وحلت به أكابر النعم، واندفعت به شرور النقم، فهل ينكر عاقل ذو لب جواز الفرح بمولده وطلعته المنيرة على الأرض؟!. وتابع الأزهر: تعارف الناس واعتادوا على أكل وشراء أنواع من الحلوى التى تنسب إلى يوم مولده ابتهاجاً وفرحة ومسرة بذلك، وكل ذلك فضل وخير، فما المانع من ذلك؟
الدكتور مجدى عاشور، مستشار مفتى الجمهورية، قال فى فتوى له إن الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف والفرح بها من أفضل الأعمال وأعظم القربات، ويندب إحياء هذه الذكرى بكافة مظاهر الفرح والسرور، وبكل طاعة يتقرب بها إلى الله عز وجل، ويدخل فى ذلك ما اعتاده الناس من شراء الحلوى والتهادى بها فى المولد الشريف؛ فرحاً منهم بمولده صلى الله عليه وآله وسلم، ومحبة منهم لما كان يحبه.
تعليقات الفيسبوك