سورة الروم آية «٥٠»: (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِى الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِى الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ)، ثم آية «٥٥»: (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ)... ثم آية «٥٦»: (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
من الواضح أن سورة «ق» من أكثر السور التى دخلت فى شرح تفاصيل حال الموت فى الدنيا والبعث فى الآخرة، وهى ترتب البعث فى خطوات متتالية من الآية «٤١» بالنداء على الموتى ليستيقظوا: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ)، أى إنه شرط قرب صوت المنادى من كل شبر دُفن فيه إنسان على وجه الأرض منذ بدء الخليقة، فماذا يحدث يرد لنا الحياة؟! فنسمع النداء بالصيحة، فنعرف أن هذا يوم الخروج من القبور ونحن ما زلنا فيها، آية «٤٢»، فترد الآية التى تليها على من يتشكك فى ذلك: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِى وَنُمِيتُ)، أى لا تتعجب فمن خلقك من التراب حياً وأماتك تراباً فهو يحييك مرة أخرى، ومصيرك النهائى جنة أو نار عندنا. وهذه الآية جاءت فى شكل جملة قطعت سياق ترتيب الخروج من القبر رداً على من يشك فى هذا، وتكمل الآية «٤٤» أن الله يشق فى الأرض شقاً لكل شبر دُفن فيه كائن حى، إنسان أو حيوان أو طير، ليحيوا جميعاً حياة الآخرة، ويحاسبون على أفعالهم فى الدنيا، حتى لتحاسب الدابة على نطحها بقرونها لأقرانها كما جاء فى الحديث. وهذا الخروج من شقوق الأرض سيكون بأسرع مما تتخيل إلى أرض المحشر (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ)، فنحن والحشرات، سواء بسواء، محشورون فى القبور ومخرجون منها، محشورون فى زحام الملايين من الكائنات التى تجرى بسرعة لأرض المحشر متتبعة صوت المنادى من المكان القريب، لننتظر كشف حساب الآخرة: «وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ». فى سورة الروم دورات حياة البشر مثل الفراشة واليرقة والدودة، إنه كائن واحد ولكنه أطوار: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا)، فنحن قبل الحياة مجرد ذرة أو ما يطلق عليه الجين فى الخلية فى ظهور آبائنا: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ).. ثم مخلوق بشرى بعد النطفة، ثم نعود تراباً كما خُلقنا من تراب الأرض، ثم نحيا ببعث الله لنا من التراب سراعاً كالفراش المبثوث. وتوقف عند كلمة الفراش، إنها تشير بقوة إلى أطوار الحشرات من التراب إلى الدود إلى الفراش والشرنقة التى هى القبر للإنسان، وتخيل شكل الكفن، إنه شرنقة فعلاً، فلماذا لم نتعجب ونحن فى معامل كليات العلوم والطب من ظهور الفراشة من الشرنقة بعد أن كانت هى نفسها كائناً حياً دودة تسير على ١٢ قدماً فوق سطح الأرض، فتدخل الدودة القبر أو الشرنقة وهى دودة، وإذا فتحت الشرنقة تجد «شوية تراب»، وإذا تركتها تخرج منها الفراشة.. أليس هذا هو حالنا؟ نخرج كالفراش المبثوث.. آية «٤» سورة القارعة.. ونخرج سراعاً.. سورة «ق»: (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ). وأرجو أن تقارن بين كلمة حشر وكلمة حشرة، إنها نحن الإنسان، الحشرة مجرد حشرة، فلماذا لا نتعظ من آية «وإن يسلبهم الذباب».. «ضعف الطالب والمطلوب».. لأننا معاً نحن والحشرات كائنات مماثلة إلا فى اختلاف الشكل، لكن الخلق واحد، والخالق واحد لا شريك له.
سورة الروم الآية «٢٥»: (ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ).. آية «١٩»: (يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ وَيُحْيِى الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) آية «٢٠»: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ). آية «٢٥»: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ». لماذا اختار الله تعبير الفراش المبثوث؟ إن هذا ليس مجازاً، وإنما تذكرة بتحوُّل الدودة إلى شرنقة ميتة، ثم فراشة حية تطير سراعاً كما نخرج من أكفاننا فراشاً سراعاً.
ويُشترط هنا ليوم الحساب أن يكون لكل منا علامتان إحداهما إما طائر من طيور الله مربوط فى عنق كل منا ملزم للإنسان بقول الصدق لا كذب فيه وإلا صحح كذبه أمام الخلق جميعاً. ويتقدم بعد الاعتراف بذنوبه وحسناته أمام المحكمة الإلهية ليتسلم شهادة المحكمة فى تسجيل كامل لتصرفاتنا فى كتاب مفتوح ومنشور يقرأه ويراه كل الخلق، وكل منا يقرأ ما فى كتاب أفعاله أمام كافة الكائنات ويقف بجوار كل منا حسيب يصحح الكذب والخطأ إن حاولنا ذلك، فهل هذا الحسيب هو طائر العنق أم أن هذا ملك من بين السائق والشهيد اللذين يرافقاننا فى البعث فى الطريق إلى ساحة العرض على الواحد القهار، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم.