انقلاب على العولمة الأمريكية: للصين "الكلمة العليا" في عالم "ما بعد الوباء"
الصين أرسلت أطباء للعديد من الدول لمساعدتها فى أزمة «كورونا»
مرحلة جديدة يعيشها النظام الدولى القائم مع تفشى فيروس كورونا، الذى دخل معه العالم فى صراع ضخم يتعلق بوجهة القوى المسيطرة مستقبلاً على العالم، فالأمر تخطى الأرواح التى تفارق الأجساد والخسائر الاقتصادية الهائلة، وظهر واضحاً مستوى السجال بين واشنطن وبكين والاتهامات المتبادلة كحلقة إضافية لسجال الحرب التجارية، خصوصاً عندما تعلق الأمر بالتوصل إلى علاج للفيروس القاتل، وأيضاً البحث عمن سيتحمل مسئولية تفشى الفيروس. وهنا يرى مراقبون أن النظام الدولى يتجه إلى شكل جديد و«كورونا» محفز كبير لتنشيط هذا التغير.
"الشيخ": نعيش أجواء شبيهة بالحرب العالمية
«الظرف الحالى مشابه لنفس ظروف الحرب العالمية الثانية، هى معركة كبرى بلا شك».. بتلك الكلمات وصفت الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذة العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، الوضع الراهن وما سيقبل عليه النظام الدولى، وقالت لـ«الوطن»، إن كورونا أتى فى هذا التوقيت ليكون عاملاً محفزاً وكاشفاً لميلاد نظام عالمى جديد، والصين هى القوة الأبرز فيه. وأوضحت أن التغييرات طالت النظام الدولى منذ 2008 عندما حدثت أزمة أوسيتيا الجنوبية التى شهدت مواجهة بين روسيا والولايات المتحدة وحسمت لمصلحة الأولى، وفى نفس العام أيضاً وقعت الأزمة الاقتصادية العالمية.
وتابعت: «منذ 2008 تواصلت التغيرات، وأتى فيروس كورونا ليكون كاشفاً أكثر لهذه التغيرات ومحفزاً لها، وإغلاق الحدود بين الدول ليس مؤشراً على النظام العالمى الجديد لأنه بشكل أو بآخر سيتم التوصل إلى مصل ولقاح لعلاج الفيروس والوقاية منه، هذا الإغلاق للحدود مؤقت حتى لو استمر إلى أشهر ستتم السيطرة عليه».
وأضافت: «الفكرة أن الفيروس وانتشاره مثّل اختباراً للنظم السياسية فى العالم كله وللحكومات على وجه الخصوص، هناك حكومات نجحت وتطرح نفسها كنموذج مكتمل، والحقيقة أن الصين وحكومات أخرى نجحت، فى حين أن دولاً أوروبية والولايات المتحدة سقطت فى الاختبار وإدارتها للأزمة لم تكن على قدر المستوى».
وقالت: «لنعد إلى الوراء ونسأل لماذا أخذت الولايات المتحدة الأمريكية وضعية القوة المسيطرة على النظام الدولى؟ لأنها نجحت فى اختبارين سابقين؛ الأول الحرب العالمية الثانية، وهو يعادل اختبار كورونا، كما نجحت فى اختبار أهم وهو الانتصار فى حقبة الحرب الباردة على الاتحاد السوفيتى السابق».
وأضافت أستاذ العلاقات الدولية: «واشنطن حين انتصرت فى الحرب الباردة لم تنتصر بالقوة العسكرية وإنما بوسائل عديدة ليس من بينها الحرب التقليدية، ولهذا فإن الصين نجحت حالياً فى التعامل مع كورونا كاختبار كبير مثله مثل الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، وبالتالى فنحن سنكون بعد كورونا أمام ملامح جديدة للنظام الدولى».
ويرى الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، مدير مركز بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية بجامعة عين شمس السابق، أن مسألة إغلاق الحدود والتفتيش على السفن ومنع دخولها كانت إجراءات طبيعية وسط المخاوف من انتشار العدوى وكان ذلك واضحاً فى الأوبئة خصوصاً بعد اكتشاف أن الكوليرا انتقلت من الجنود البريطانيين إلى أوروبا وأنهم من نقلوا العدوى الأولى لأوروبا عام 1817».
"شقرة": الهزة الديموغرافية قادرة على إضعاف إمبراطوريات
وحول ملامح النظام الدولى بعد «كورونا»، قال: «الهزة الديموغرافية الناتجة عن كارثة من الكوارث قد تكون عاملاً من العوامل التى تضعف دولة أو إمبراطورية»، مضيفاً: «على سبيل المثال الكوليرا تواكبت مع الحرب العالمية الأولى واستمرت معها وانتهت سنة 1923 وبنهايتها تسيّدت إنجلترا وفرنسا العالم، فى الوقت الذى حصدت فيه الكوليرا أرواح أعداد كبيرة فى إمبراطورية النمسا - المجر». وتابع: «الأوبئة مثل كورونا عامل مهم قد يؤدى لتشكيل خريطة النظام العالمى وشكله السياسى، كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى مثلاً واحتلت بريطانيا وفرنسا العالم الثالث كله، وكما جاءت الكوليرا عام 1961 بعد الحرب العالمية الثانية التى أفرزت الهيمنة الأمريكية والروسية». وأوضح «شقرة» أن «كورونا قد يساعد إلى جانب عوامل أخرى على إعطاء الصين مزيداً من القوة، وقد يكون كورونا القشة التى قصمت ظهر البعير بالنسبة للنظام الدولى الحالى».
وقال الكاتب إيميل أمين: «المؤكد أن فيروس كورونا سيغير بكل تأكيد من شكل العالم، وما جرى حتى اليوم انقلاب على العولمة، فلم يكن أحد يتخيل أن فيروساً غير مرئى بهذا الشكل يعيد العالم إلى جزر منعزلة مرة أخرى، الفيروس أظهر هشاشة فكرة العولمة، العولمة التى لم تستطع الدفاع عن الحياة البشرية والتى أغلقت الحدود وأقامت السدود هى عولمة واهية لا تستحق أن تسود». وأضاف: «أظن أن العالم بعد كورونا سيمد يده لإيجاد صيغة إنسانية تضامنية وإيجاد نموذج يقفز على القوميات والعصبيات فى العقود الأخيرة والمذهبيات والطائفية» مؤكداً أن البشرية تتعلق الآن بأمل وحيد هو أن يخرج إنسان ما من على وجه البسيطة بفكرة لقاح أو مضاد لينقذها، وبالتالى البشرية تعيد اكتشاف ذاتها كونها تواجه أخطاراً واحدة». ويرى «أمين» أنه فيما يتعلق بشكل النظام الدولى والأقطاب الدولية أنه حتى قبل الفيروس مسألة النظر إلى القطبية العالمية بدأت منذ 2008، ونحن فى زمن الأقطاب المتعددة، فيه الولايات المتحدة لم تعد القطب المهيمن وإنما الأول بين متساوين، مضيفاً: «ومع ردات الفعل بشأن الفيروس وإذا ثبت أن الولايات المتحدة لها يد سيتغير الأمر وسينفض العالم من حول واشنطن».
وحول الرابحون والخاسرون، قال الدكتور أيمن سمير، خبير العلاقات الدولية، إن الصين أقل الدول التى ستدفع فاتورة من هذه الأزمة، وربما تكون أكثر الدول الرابحة، وهناك تقديرات تقول إن الصين بعد انتهاء الأزمة سيكون الناتج الوطنى لها ما بين 17 و18 تريليون دولار بعد أن كان من 13.4 تريليون دولار قبل الأزمة، بالتالى سوف تربح الصين مكاسب مهولة غير مسبوقة تقربها جداً من الولايات المتحدة الأمريكية التى كانت تنتج قبل أزمة كورونا 20.4 تريليون دولار.
وهنا أمر آخر، وهو أن هناك مصانع صينية بدأت تعود من جديد، وحتى إذا تأخرت الصادرات الصينية إلى الخارج، فيمكن للصين الاحتفاظ بهذه البضائع فى الوقت الحالى وتعيد تصديرها لأن السوق سيكون فى حالة تعطش شديدة جداً بعد أزمة كورونا، فتستطيع أن تعيد هذه البضائع ربما بأسعار أعلى من الأسعار التى كانت عليها قبل الأزمة
أما خسائر الولايات المتحدة الأمريكية فلم تتبلور بعد، ولكن على الأقل لم تربح شيئاً من قضية كورونا، وعلاقاتها بأوروبا انقطعت، وانقطعت أيضاً مع دور الجوار، كندا والمكسيك، كما دفعت الولايات المتحدة الأمريكية والاحتياطى الفيدرالى الأمريكى ما يقرب من 500 مليار دولار لإرضاء المواطنين والديموقراطيين، حيث إنهم يدفعون لكل شخص بالغ ما يقرب من 1000 دولار وكل طفل 500 دولار، بالتالى لم تربح شيئاً حتى الآن، وتعد فى قائمة الدول الخاسرة.