لوحات حقيقية "من الخيال".. طلاب "فنون جميلة" يكسرون عزلة "الحظر"
مقتحمون "العزل الصحي" بألوانهم.. "فنون جميلة" يعيشون بهجة الريف بريشة
ربما عدسة الكاميرا تنقل لنا لحظة من الزمن، لكن اللوحة تجعلنا نعيش واقعها، أمر لا يختلف عليه صاحب الذوق الفني، فرغم التطور الرقمي في جودة الصور، فلا تزال الريشة ثابتة مكانتها في عالم ألوان متفرد، يحول الأسطح البيضاء الخاوية إلى عوالم أخرى، وهو ما نجح فيه طلاب رابعة فنون جميلة بجامعة حلوان، في هذا العام، الذي يشهد ظرفا استثنائي، محولين جدران الحجر الصحي لكون رحب يحتمل كل الأفراح.
تحد يحمل السهولة والصعوبة، هكذا تراه الدكتورة راندا فخري أستاذ التصوير لشعبة تصوير زيتي، بمجرد أن وجد الطلاب أنفسهم في منازلهم للالتزام بقرارات الحكومة في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد، ورغم تأكيدها مدى أهمية معايشة الواقع لعمل لوحات فنية، إلا أنّهم أصبحوا يلجأون لذاكرته الصورية والاعتماد على تجميع العناصر من صور فوتوغرافيا.
"مهم جدا طالب يحتك بالواقع ويعايشيه ليعبر عنه، وهو ما حدث في مشروعات سابقة، وحين أردنا نقل صورة الريف كان على الطلاب النزول للقرى الريفية القريبة مثل أوسيم وجزيرة الذهب وغيرها من المناطق الريفية، فنزلوا يوما واحدا ثم جاء تعليق الدراسة"، قالت فخري لـ"الوطن".
خطة بديلة لجأ لها طلاب الفنون الجميلة، كانت لها حسابات أخرى، فالفن لا ينقل وإنما يعاش، وبالتالي كان اللجوء لصور فوتوغرافيا دون الوقوع في فخ النقل تحد صعب على الطلاب، المطلوب منهم معايشة الواقع، لكنهم قرروا تخطي الصعب واللعب بالريشة التي حولت الصور الفوتوغرافية الصماء للوحات فنية متحركة تأخذ الناظر إليها لعالمها.
"أنا شوفت الصور كلها اللي خدوها، وكمتخصص أستطيع التفرقة بين النقل والتجميع من أكثر من مصدر وجودة المنتج النهائي"، بحسب "فخري" في حديثها لـ"الوطن" فالريشة تتحدث عن نفسها والموهبة تتحدى حتى النقل، فتخرج ألوانها وأبعادها متحديه صمت الأصل الذي نقل اللحظة بغموضها، وكأن الريشة تفك شفرات الماضي التي وقفت عنده الكاميرا وقت التقاط المشهد.
متابعة دورية كانت بين الطلاب والاساتذة في المشروعات وحسابات جديدة لوضع الدرجات للمشورعات التي تغيرت مجراها للظرف العام، لكن صداها أخرج كل من شاهدها من قتامة الحجر لزهو الألوان: "اللي تابع له درجات أعلى والتصميم من مصدر واحد غير من اعتمد على أكثر من مصدر وفي النهاية المنتج يحمل مقاييس وتصاميم وتكوينات وأبعاد ومنظور ونسب وغيرها،ما يحدد جودها.
شعور آخر خاضة الطلاب الذين وجدوا أنفسهم أمام تحد صعب في ظل الظروف القائمة لانتشار فيروس كورونا المستجد، وقفت ريشتهم قليلا للتعبير عن الواقع الذي حرموا من التعايش منه بعد قرارات الحظر ووقف التجمعات، فكان الملجأ لذاكرتين الأولى في عقلهم الذي خزن الصور طوال حياتهم والثاني في أرشيف هواتفهم وألبومات، فكان التحدي هو العيش في لحظة الصورة ونقل شعورها الأصلي وتخطي صمت ملامح الفوتوقوغرافيا لنقل رحابة الأصل.
"قبل الحجر الصحي كنا بننزل كل أسبوعين مادة لها مشروع في الكلية، بننزل مواقع وناخد استكشات لرسم واقعي معايش، دلوقتي الأمور اختلفت"، بحسب مينا ميلاد طالب الفرقة الرابعة بكلية الفنون الجميلة، فرغم أنّ النزول كان مرهقا لكنه كان أسهل في التعبير عما يراه الطالب الذي وجد نفسه على درجة فنان، ويقف مستقبله أمام لوحة تنقل واقعا حرم منه لظرف طارئ.
رغم أنّ العمل من المنزل يبدو كئيبا، لكن اللوحات غيرت مجرى الأيام وتحول الحجر إلى كون رحيب مليء بالحياة الألوان وكأنهم أخذوا الواقع من الريف إلى البيوت معلنين تحطيم جدران الحجر بالفن، شعور آخر عاشه الطلاب الذين يحرصون دائما على تشجيع بعضهم البعض بنشر لوحاتهم وأعمالهم فيما بينهم، لتتحول مخاوفهم إلى بهجة مع إنجاز المشورعات.
"حبيت أجمع اللوح لأن الشغل كان حلو ودايما في تواصل ولينا جروب بننزل فيه الشغل بتاعنا: يقول مينا لـ"الوطن"، الذي رأى بهجة بين جمهور التواصل الاجتماعي الذي نشر اللوحات بشكل كبير مع إعجاب بما قدمته اللوحات، ما جعل الطلاب يشعرون بأنّهم ليسوا فقط من تحرر من جدران المنزل، بل كل ما شاهد اللوحات خرج إلى الحقول وتنزه بين زهو الألوان.