شاهدت بعضاً من الأعمال الدرامية الرمضانية، وفى حدود ما رأيت أجد أن بعضها جيد يحاول أن يقدم فكراً أو موضوعاً متماسكاً، أو يعالج قضية مهمة، وأجد بعضها الآخر غير ذلك، خليطاً من المشاهد التى لا يشدها خيط درامى، ولن يحدث شىء على الإطلاق لو أنك أسقطت أحدها، وواصلت المشاهدة. وظنى أن السر فى ذلك يرتبط بأسلوب الكتابة بالقطعة أو الكتابة حسب الطلب، وتدخّل أكثر من رأس فى الإفتاء، مما يؤدى إلى قدر لا بأس به من التشتت والتفكك فى العمل، ناهيك عن الكم غير الطبيعى من الأحداث غير المبررة وكذا الأحداث غير المنطقية التى تتدفق على مدار حلقات العمل.
كل هذا كوم والمشاهد «الفيس بوكية» كوم آخر. وحقيقة الأمر فقد استوقفنى أكثر من مشهد فى مسلسل «البرنس» على وجه التحديد يؤشر إلى حالة التفكك والتشتت واللامنطق التى تحكم أجزاء لا بأس بها من المنتج الدرامى. على سبيل المثال مشهد اختطاف ابنة رضوان -بطل المسلسل محمد رمضان- بعد تخدير جدها وجدتها فى زيارة من فتحى (شقيق رضوان) وزوجته، ثم قيام فتحى بخطف البنت، ليلقى بها بعد ذلك فى عرض الطريق دون أن يحرك أحد من أعمامها ساكناً، وذلك فى وقت كان قد حصل فيه وإخوته على كامل ميراث والدهم. أفعال غير مبررة إلى حد كبير، لأن الهدف هو الإثارة الفيس بوكية، من خلال استخدام أساليب المبالغة التى تتجاوز كل حدود العقل والمنطق. فالشر مطلق والخير مطلق. والشرير فتحى شيطان يمشى على قدمين وهو على استعداد لفعل أى شىء سيئ أو قبيح، أما أخوه رمضان البرنس فيمثل الخير المطلق الذى يترفع عن القبح وفعل السوء، وكل ذنبه فى الحياة أنه ينفذ وصية والده بعدم منح أشقائه وشقيقاته ميراثهم إلا بعد أن ينصلح حال كل واحد منهم. والمسلسل يريد أن يقنعنا أن «البرنس» الابن يمكن أن يفلح فيما فشل فيه الأب (تربية الأبناء). وكأن رضوان ملاك يمشى على الأرض. هذا الحكى هو حكى فيس بوكى بالأساس، ولو أنك تابعت حكاوى رواد الفيس بوك فستلاحظ غرامهم بالقصص القائمة على فكرة الاستقطاب المطلق (مع أو ضد)، التى لا تعرف الوسطية العقلية.
ولكى نكون منصفين علينا أن نعترف أن الكتابة الفيس بوكية لها جمهورها، وهو ليس بالقليل. أفراد من هذا الجمهور ظلوا يبكون على الطفلة «مريم» بعد أن ألقى بها عمها فى عرض الطريق، ولم يطمئنوا على البنت إلا بعد أن خرجت عليهم متحدثة فى أحد البرامج!. هذا القطاع من الجمهور لا يقل حجماً عن جمهور الكارتون الشهير «توم وجيرى» الذى تحتشد حلقاته بالعديد من المشاهد غير المنطقية التى لا يتأثر فيها القط أو الفأر عند السقوط من عاشر دور، أو بالدهس أسفل سيارة، وبالردم أسفل بناية، فيخرج منها «بشوية دوران فى الرأس» لا يمكث إلا ثوانى ليستفيق بعدها.. أداء «توم وجيرى» يعد الترجمة العملية للطريقة الفيس بوكية فى الكتابة والمشاهدة.