من الإصابة للتبرع بالبلازما.. متعافون يروون لـ"الوطن" رحلتهم مع الوباء القاتل
هلال لبيب وشاكر الصمادي
فى نهاية شهر يناير الماضى، شعر «شاكر الصمادى»، مدير مبيعات، 40 عاماً، بآلام شديدة فى جسده مع ارتفاع درجة حرارته وضيق فى التنفس، ظن فى البداية أنه مجرد دور برد نظراً لعدم انتشار فيروس كورونا حينها فى مصر، لكن مع تدهور حالته الصحية وإصابة زوجته وطفله بنفس الأعراض ومتابعته لما كان يحدث فى الصين، شخص حالته على أنها كورونا بسبب تشابه الأعراض التى يعانى منها مع أعراض الفيروس الشائعة، وعزل نفسه داخل غرفة، ثم بدأ فى البحث عن العلاج المناسب لحالته، الذى اعتمد فيه على الأعشاب لتقوية جهازه المناعى، بجانب بعض الأدوية، حتى بدأت حالته تتحسن، على حد قوله: «تناولت مجموعة البرد، وشربت سوائل دافية كتير، وكنت حريص على إنى ما اختلطش بحد، لحد ما الأعراض اللى عندى راحت»، مشيراً إلى أن رحلة علاجه استمرت لمدة أسبوع كامل، بينما استمرت زوجته فى العزل المنزلى لمدة 10 أيام متواصلة حتى تعافت تماماً، وتأكد من التعافى بمراجعة الأطباء.
"شاكر": تبرعت بـ"لتر بلازما" ومكالمة ابنة مريض بعد شفائه شجعتنى أتبرع تانى
أسابيع عديدة مرت على الرجل الأربعينى، عاد فيها لممارسة حياته الطبيعية، التى لا تخلو من متابعة الأخبار سواء داخل مصر أو خارجها، حتى وقعت عيناه على تصريح لوزارة الصحة يفيد بأن استخدام بلازما دم المتعافين يساهم فى علاج المصابين، حينها بدأ «شاكر» التفكير فى التبرع لمرضى نفس فصيلة دمه، وبدأ يبحث فى جروبات «فيس بوك» حتى وجد «بوست» لشاب يستغيث من خلاله لإنقاذ شقيقه الذى تدهورت حالته الصحية واحتياجه لبلازما دم متعاف من نفس فصيلته، فتواصل «شاكر» على الفور مع صاحب البوست من خلال رقم التليفون المرفق به، ليخبره الأخير بأن شقيقه توفى منذ ساعات، ليقع الخبر عليه كالصاعقة: «كانت صدمة بالنسبة لى، ووقتها أخدت عهد على نفسى إنى لازم أتبرع يمكن أكون سبب فى إنقاذ أى مريض».
بدأ «شاكر» فى نشر «بوست» على صفحته الشخصية، به كافة تفاصيل حالته وفصيلة دمه ورقم هاتفه، ليفاجأ بتواصل عدد كبير من أهالى المرضى معه، فاتفق معهم على أن المقابلة داخل المستشفى وتبرع بواحد لتر بلازما تم تقسيمه على الـ5 الأفراد الذين قاموا بالتواصل معه.
بعد تبرعه بنحو 4 أيام، فوجئ «شاكر»، بمكالمة هاتفية من إحدى السيدات التى تبرع لوالدها، تخبره فيها بأن الأخير حالته تحسنت بعدما كان يعانى من نقص الأكسجين فى جسمه، ليشعر حينها الرجل الأربعينى بفرحة شديدة دفعته للتفكير فى التبرع مرة أخرى، وفقاً لكلامه: «البنت كانت بتبكى من فرحتها إن أبوها فاق من الغيبوبة بعد ما اتحقن بالبلازما، فمكالمتها شجعتنى إنى أتبرع تانى وأخلى زوجتى كمان تتبرع».
أما «هلال لبيب»، 36 سنة، كانت بداية رحلة علاجه فى منتصف مارس الماضى، حين بدأ يشعر بعد عودته من عمله كمرشد مرافق للأفواج الإيطالية فى مرسى علم، بأعراض فيروس كورونا المستجد من ارتفاع درجة الحرارة وفقدان حاسه الشم والتذوق وتكسير فى جسمه، ما دفعه لعزل نفسه فى البيت وتناول كافة الأدوية التى صنفتها وزارة الصحة والسكان كعلاج لمدة 6 أيام، لكن مع سوء حالته الصحية وإصابة زوجته بنفس الأعراض توجه لمستشفى حميات العباسية لإجراء الفحوصات اللازمة، وفى اليوم نفسه تم التواصل معه من قبل إدارة المستشفى لتخبره بأن حالته «إيجابى» وسيتم نقله لمستشفى عزل 15 مايو عن طريق سيارة إسعاف مجهزة، وفقاً لكلامه، فى حين أن زوجته وابنته صاحبة الـ4 سنوات التى أصيبت بالعدوى سيتم عزلهما فى مستشفى قها: «الأسرة كلها جت لها كورونا باستثناء ابنى، فخليته يروح عند جدته، وإحنا اتعزلنا».
12 يوماً قضاها «هلال» داخل مستشفى العزل، تلقى خلالها رعاية طبية واهتماماً كبيراً من قبل الأطباء والتمريض على حد سواء، حيث بدأت حالته، بحسب كلامه، تتحسن بعد مرور 3 أيام من وجوده بالمستشفى، ثم أجرى التحاليل مرة أخرى والتى جاءت نتيجتها «سلبية».
أثناء وجود «هلال» داخل مستشفى العزل سمع عن إمكانية العلاج ببلازما دم المتعافين، ما دفعه حينها للاستفسار من الأطباء عن إمكانية التبرع للحالات الحرجة والإجراءات المطلوبة، وقبل خروجه من المستشفى تبرع له كنوع من رد الجميل ولشكرهم على المجهود الذى بذلوه من أجل علاجه: «الدولة وقفت معايا ومع أسرتى ووفرت لنا كل سبل الراحة لحد ما تعافينا، فدى أقل حاجة ممكن أقدمها ليها بعد ما ربنا كتب لنا النجاة».
"مروة": "اللى شُفته فى تعبى ماكانش سهل ولما سمعت عن التبرع بالبلازما قررت أقف جنب أى مريض"
بحكم عملها كممرضة فى أحد مستشفيات العزل بمحافظة بورسعيد، أصيبت «مروة الصياد»، بفيروس كورونا فى أبريل الماضى بعد مخالطتها لأحد المرضى المشتبه بهم، وتم عزلها فى أحد مستشفيات الحجر الصحى لمدة 10 أيام، حتى استقرت حالتها وأجرت المسحة مرة أخرى للتأكد من تعافيها، وبعد خروجها من مستشفى الحجر الصحى، عادت «مروة» لعملها مرة أخرى، ورغم تجربتها المريرة فإنها قررت ألا تتخلى عن أى مريض يحتاج لها، حتى سمعت من أطباء المستشفى الذى تعمل به عن اكتشاف علاج جديد للفيروس، يتمثل فى التبرع ببلازما دم المتعافين، فقررت حينها البحث عن مرضى نفس فصيلتها للتبرع بها: «ده أمل بالنسبة لمرضى كتير، فيه ناس ما بيكونش عندهم مناعة وحالتهم بتسوء وما فيش علاج بينفع معاهم، فلما عرفت إن البلازما ممكن تكون طوق نجاة ليهم، قلت لنفسى لازم أتبرع لهم، لأن اللى شفته ماكانش سهل».
بعد كتابة «بوست» على صفحتها الخاصة على «فيس بوك» فوجئت بتواصل عدد من أهالى بعض المرضى معها من خلال رسائل الماسينجر، بعضهم يعرض عليها مبالغ مالية كبيرة مقابل التبرع لمريضهم، لكنها قررت أن تتخذ تلك الخطوة لوجه الله، على حد تعبيرها، واتفقت مع كافة الحالات الذين تواصلوا معها على التبرع لهم على أمل أن تكون سبباً فى إنقاذ مرضاهم.