من رحم الألم يولد الأمل، هكذا آمنت "دعاء فرج"، من منطقة باكوس بالإسكندرية وهى تواجه الظروف القاسية التى أحاطت بها، بدءا من طلاقها، ثم البحث عن مأوى لأبنائها، ومحاولة إيجاد عمل يساعدها على الإنفاق عليهم، وكان أكبر دليل نجاح بالنسبة لها، هو وصول ابنها "ساهر" إلى الصف الثالث الثانوى، واستعداده لدخول الامتحانات رغم مرضه النادر "تشوه في الهيكل العظمي"، والذي يمنعه من الحركة أو ثني أطرافه، ويجبره على النوم متقوسا.
"مش بقول غير الحمد لله يارب، ساعدتنى ووفقتنى، يمكن اختبارى فى ساهر، من حبه فيا، الحقيقة أن بمجرد ما عرفت مرضه، صممت على أنه يكمل علامه، رغم رفض والده، وكان مش بيرضى يصرف عليه، هو وأخوه عبد الرحمن، وده اللى خلانى أنفصل عنه، واشتغلت كل حاجة ممكنة، علشان أقدر أوفر شكل الحياة المرضية مش هاقول المرفهة لأنها مكنتش فى مقدورى، لدرجة أنى كنت علشان نروح الامتحانات أو للدكتور بشيله على ضهرى".. كلمات تقولها دعاء (41 عاما)، بنوع من الثبات بينما يتسلل الشجن واضحا بين ثنايا صوتها.
الخياطة، البيع، علاقات عامة فى جمعية خيرية، جزء من المهن التى اشتغلت بها "دعاء" ذات التعليم المتوسط، والتى كانت تضطر إلى تغييرها كل فترة، بسبب حاجة أبنائها لرعايتها، بينما يظل إيجار الشقة (عبارة عن غرفتين وحمام) 600 جنيه وعدم القدرة على سداده هو رعبها الأكبر فى الحياة: "لو سبت أولادى فترة طويلة بيتعبوا، لأنى أنا اللى بخدمهم بنفسى فى كل حاجة، خصوصا ساهر، أى حركة من مكان لمكان جوا شقتنا، لازم أشيله، لدرجة أنه لو حب يهرش ممكن يصحينى علشان يا حبيبى ميقدرش يعمل ده لنفسه، فأنا بلعب دور ست وراجل فى نفس الوقت، ومع ذلك ربنا بيهون عليا بدرجاته العالية فى الامتحانات، وأنه خلاص داخل امتحانات تالتة ثانوى".
تصمت "دعاء" ثواني قليلة، كأنها تحاول استعادة رباط جأشها خلال ذكر كل التفاصيل المؤلمة، ثم تعاود الحديث بنوع من الأمل: "بحاول أفرحهم على قد ما أقدر، فى مرة حطيت القرش على القرش علشان اشترى لساهر بدلة يلبسها وميحسش أنه أقل من غيره، ورغم أنى الفترة اللى فاتت كانت أصعب مرحلة فى حياتنا، بسبب وقف الشغل تماما، لدرجة أن لولا مساعدات الناس وأهل الخير مكناش هنلاقى ناكل فى رمضان، إلا إنى كنت بقعد وأسهر أذاكر مع ساهر، لأنه مش بيقدر ياخد دروس".
أحلام "دعاء" فى الحياة بسيطة - بحسب تعبيرها - لا تتجاوز قطع أثاث تساعد ابنها ساهر وشقيقه على ممارسة حياتهما بشكل طبيعى: "بحلم بمرتبة كويسة يعرف ينام عليها، مكتب يذاكر عليه بدل ما أنا بضطر أشيله وأقومه، سرير متين، بدل اللى متكسر، وترابيزة ناكل عليها بدل ما ناكل على الأرض وبيقعد مقوس، بحلم أنى بحياة يكون حجم الوجع والتعب فيها أقل".
أما "ساهر" الذي خشي الحديث فى البداية، ثم كسر خوفه، فيقول: "أنا مش أحلامى واقفة عند الثانوية العامة، أنا نفسى أكمل وأدخل كلية، واتخرج واشتغل بمؤهلى، وأثبت أن المرض عمره ما يكون مانع لأن الواحد يحلم ويعيش حياته".
تعليقات الفيسبوك