في ذكرى ميلادها.. رحلة مديحة كامل من الشهرة والمرض وحتى الاعتزال
مديحة كامل
صلاة الفجر أدتها جماعة بصحبة ابنتها الوحيدة وزوجها، لترحل بعدها وتذهب إلى ربها راضية مرضية، بعد أن اطمأن قلبها الذي طالما أعلن غضبه وتمرده عليها، ولم يهدئ من روعه الأطباء يومًا، وذلك في ختام لمسيرة فنية جمعت فيها مديحة كامل بين البراءة والهدوء والإغراء دون ابتذال.
في مثل هذا اليوم 3 أغسطس من عام 1948، ولدت مديحة كامل، داخل محافظة الإسكندرية، وأصبحت إحدى حوريات البحر التي يتحاكي الجميع عن جمالها اللافت للنظر، والذي أهلّها بعد قدومها إلى القاهرة في بداية الستينات للدراسة بكلية الآداب جامعة عين شمس، للعمل بمجال الموضة وعروض الأزياء، حتى خطفها صناع السينما في هذا الوقت، لتبدأ رحلتها الفنية من الأدوار الصغيرة، ولم تلبث طويلًا حتى صعدت إلى الصفوف الأولى من خلال فيلم "30 يوم في السجن"، أمام ملك الترسو فريد شوقي.
من رحم الشهرة والنجومية، تولد دائمًا المعاناة، ومع "وجع القلب" عاشت مديحة كامل، وفي أوج نجاحها، أعلن قلبها عن غضبه لعدم اهتمامها الطبي به، وضعفت عضلاته، الذي أثرّ عليها طيلة حياتها، وجعلها طريحة للفراش داخل إحدى المستشفيات فترة طويلة لتلقي العلاج، إلا أنها تقبلت ألامها وعاشت راضية، قبل أن تُكتب السطور الأخيرة لصفحة حياتها عام 1997.
مسيرة فنية جميلة، حاولت من خلالها مديحة كامل، إظهار موهبتها وثراء أدائها، منها فيلم "ملف في الآداب" مع المخرج عاطف الطيب والكاتب وحيد حامد والفنان فريد شوقي وصلاح السعدني، وفيلم "انتخبوا الدكتور سليمان عبدالباسط" مع عادل إمام، والكاتب وحيد حامد، والمخرج محمد عبدالعزيز، وفيلم "العفاريت" مع عمرو دياب، للكاتبة ماجدة خير الله، والمخرج حسام الدين مصطفى.
"هي دي مصر يا عبلة"، من أشهر العبارات السينمائية التي قيلت في فيلم "الصعود إلى الهاوية"، عن قصة صالح مرسي، وإخراج كمال الشيخ، التي كتبت من خلاله مديحة كامل، شهادة ميلادها الفنية عام 1978، لنجاحها وتألقها في أداءها، بعد أن رُفض دورها من قِبل بعض نجمات السينما وقتها خوفًا من غضب الجمهور منهنّ، خصوصًا وأن الفيلم ينتمي لعالم الجاسوسية وتجنيد إحدى الفتيات من المخابرات الإسرائيلية، وإلقاء لقبض عليها وإعادتها إلى مصر.
أكثر من 140 عملًا فنيًا، قدمته مديحة كامل، على مدار مشوارها، منها 5 أعمال تمّ اختيارها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية حسب استفتاء النقاد عام 1996، وهي أفلام "الاختيار، أغنية على الممر، زائر الفجر، أبناء الصمت، الصعود إلى الهاوية".
"أنا مش هكمل الفيلم".. قرار اتخذته الفنانة مديحة كامل، خلال تصويرها فيلم "بوابة إبليس" عام 1993، أمام محمود حميدة، بعد عزمت النية على الاعتزال دون أن تخبر أحدًا، وحسب تصريحات تليفزيونية للمخرج الفيلم عادل الأعصر، والتي قال خلالها "وإحنا بنصور بوابة إبليس، اتصلت بيها في نص الفيلم قالتلي عادل أنا مش هكمل الفيلم افتكرتها بتهزر، روحتلها البيت قالتلي أنا بتكلم جد، قلتلها ليه؟ قالتلي من غير ما أقول أي أسباب، قلتلها: أسيبك أسبوع أو فترة تفكري، قالتلي: لا ده قرار نهائي وحاولت أضغط عليها كتير برضه رفضت".
واستكمل "الأعصر" كلامه قائلًا، "الدنيا اسودت قدامي، روحت للمنتج إبراهيم شوقي أشوف حل وقعدت شهرين أفكر هحل الحكاية دي إزاي، وبالفعل قلت للمنتج هكمل الفيلم ومالكش دعوة"، واستعان المخرج بـ"النيجاتف والمونتاج والدوبلير"، حتى لا يشعر المشاهدون بعدم وجود مديحة كامل، في باقي مشاهد الفيلم، مضيفًا "صعب جدًا حد ما يحسش بوجود مديحة كامل، كنت بصور على نيجاتيف، واتصلت بيها قلتلها هكمل الفيلم قالتلي حقك، والحمد لله العرض كسر الدنيا وعمل إيرادات جامدة جدًا".
أنجبت مديحة كامل، ابنة وحيدة من زوجها الأول رجل الأعمال محمد الريس، ولم تستمر الزيجة فترة طويلة، لتتزوج بعدها مرتين، إحداهما من المخرج شريف حمودة، والأخيرة من المحامي جلال الديب.
قبل رحيلها بسنوات قليلة، اعتزلت مديحة كامل، الحياة الفنية، مع ارتداءها الحجاب، مكتفية بما حققته من نجومية وشهرة ونجاح، لتعيش بعيدًا عن الوسط الفني بصحبة ابنتها الوحيدة، وبصحبة آلامها، متقربة فيها إلى الله وقراءة القرآن حتى رحيلها بعد أداءها صلاة الفجر.