في يوم العمل الإنساني.. أزمة كورونا أظهرت "جدعنة المصريين" بالغربة
الملاك المصري في إيطاليا محمد
في وقت ارتفعت فيه الإصابات بفيروس كورونا المستجد الذي كبّل الأرض من مشارقها حتى مغاربها، وأغلقت الدول حدودها لمواجهة الوباء الذي باغت البشرية، تجلت مواقف إنسانية عدة للشباب المصري المغترب في أنحاء مختلفة من العالم.
الشدة أبرزت شهامة المصريين والذين آثروا الآخرين على أنفسهم، منهم من تطوع بتوصيل الطعام إلى المصابين كبار السن في المنازل خوفا عليهم من الإصابة، ومنهم من تطوع بتوفير الدواء الناقص إلى منازل المصابين، حتى ذاع صيتهم في تلك الدول رافعين شعار"جدعنة المصريين في الغربة"، وفي اليوم العالمي للعمل الإنساني تلقي"الوطن" الضوء على أبرز نماذج شهامة المصريين في الخارج خلال أزمة كورونا.
مصري ساعد الصليب الأحمر.. ووصفته صحف إيطاليا بـ"الملاك"
في مدينة فلورنسا الإيطالية، اعتاد المصري محمد أحمد، الذي يعيش في إيطاليا منذ 13 عاما، الخروج من بيته صباح كل يوم متجها إلى أقرب سوق تجاري، يعود منه حاملا أكياس الخضار والفاكهة، متجولا بدراجته بين الشوارع قاصدا بيوت العائلات المحتاجين وكبار السن في المناطق المجاورة له، مخترقا حظر التجول المفروض كليا على كافة أنحاء الدولة لمنع تفاقم أزمة فيروس كورونا.
كلما لمحه أحد رجال الأمن استوقفه وحرر له إخطارا ينذره بعدم تكرار التجاوز مرة أخرى، ويمضي الشاب المصري إلى حيث وجهته دون محاولة لتبرير موقفه: "كنت بسكت وبمشي لأن حتى لو شرحتلهم أهمية عمل الخير زي ما الإسلام بيأمرنا مش هيفهموني"، يقول في بداية حديثه لـ"الوطن".
جرى تطبيق حظر التجول رسميا منذ يوم 15 مارس الماضي في أنحاء إيطاليا، الشوارع خالية من المارة تماما وبطبيعة شخصية الشاب الثلاثيني الذي يمتلك محلا للحلاقة، لا يستطيع الجلوس في البيت فترات طويلة دون عمل: "سمعت من العائلات اللي عايشة قريب مني إن في أسر محتاجة أكل وخايفين ينزلوا عشان معاهم أطفال ومنهم ناس من كبار السن"، فبدأ يشغل وقته ويكرس جهده كل يوم لعمل الخير لمساعدة المحيطين به قدر المستطاع.
بدراجته الصغيرة كان يتجول ابن محافظة كفر الشيخ بين الأسواق يشتري كمية من الخضار والفاكهة ويرجع مسرعا لتعبئتها ثم يخرج من بيته لتوزيعها على الأسر المحتاجة دون أي مقابل، "بدأت بتوزيع 60 كيسا، اتصلت بواحد أعرفه معاه عربية عشان ييجي يساعدني في شيل الأكياس وتوزيعها".
فرحة كبيرة شاهدها الشاب المصري في وجوه الأسر التي كادت أن ينتهي خزينها من الطعام، فقرر تكرار هذا المشهد بشكل دائم لحين انحسار الأزمة وعودة الحياة تدريجيا إلى طبيعتها: "خصصت جزءا من الفلوس لعمل الخير أنا عايش هنا لوحدي وغيري عايش مع ولاده ومش معاه فلوس"، دون خشية الإصابة بفيروس كورونا الذي حاصر إيطاليا في ذلك الوقت.
مصريون بإيطاليا يحولون مخزن مواد بناء لوضع السلع وتوصيلها للبيوت مجانا
في مدينة ميلانو الإيطالية استقر العشرات من الشباب المصري قبل سنوات عدة، عاشروا أهلها واتخذوا من مجال المعمار والبناء مهنة لهم، قطعوا فيه خطوات عدة، أحدهم أصبح مالكا لمخزن كبير لتخزين أدوات العمل الخاصة به، وحين اشتدت أزمة وباء فيروس كورونا الجديد وفتكت بالآلاف من أبناء الشعب في أبريل الماضي، حول مكان عمله إلى مقر للعمل الإنساني، امتلأت أركانه بالسلع الغذائية والاحتياجات المنزلية لتوزيعها على أهل المدينة دون مقابل ليظهر هنا معدن المصريين في الأزمات.
أيام قليلة انتشرت خلالها المبادرة المصرية في كافة أنحاء مدينة ميلانو الإيطالية، واستقبل الشباب المصري الطلبات من الأسر التي تعاني من نقص في المواد الغذائية أو المسلتزمات المنزلية كالصابون وألبان الأطفال وغيرها، من خلال الهاتف المحمول ثم يتم التوصيل "لحد باب البيت من غير أي مقابل"، بحسب تعبير تامر المقيم في إيطاليا منذ 14 عاما.
اعتمدت المبادرة على تلقي التبرعات العينية وليست المادية من المتبرعين الراغبين في المساعدة، وبعد أيام من الانتشار في كافة شوارع ميلانو تعاونت معهم شرطة الخدمة المدنية بالمدينة لمساعدتهم في توصيل المواد الغذائية إلى بعض الأسر المحتاجة هناك بالتنسيق مع صاحب المخزن.
"هابي".. مصري يساعد غير القادرين بنيويورك على مواجهة كورونا
20 عاما قضاها في الولايات المتحدة الأمريكية، عاش وسط أهلها واتسعت دائرة صداقاته مع أفراد الجاليات المصرية والعائلات المقيمة هناك، اعتادوا مساعدة بعضهم في الأزمات والتواصل والاحتفال في المناسبات، وحين خلت الشوارع من أهلها والتزم الجميع مساكنهم بعد تفشي فيروس كورونا الجديد بينهم، سخر ساعات طويلة من يومه لمساندة أبناء بلده، متطوعا، خاصة كبار السن منهم، كان لهم ابنا وسندا داعما.
"بنزل أجيب احتياجاتهم وأوصلها ليهم لحد البيت"، قال هابي هلال، أحد أبناء الجالية المصرية في نيويورك لـ"الوطن"، حيث انطلقت البداية من مساعدة فردية للمصريين والأمريكان من كبار السن في ولايته، بتوصيل الأدوية إلى منازلهم لخشيتهم الخروج في تلك الظروف، ثم بدأ يحصل على الدواء من بعض الصيادلة المصريين المتبرعين بها لأبناء الجاليات المصرية، إلى جانب تبرعه بشراء كميات تكفيهم من الخضراوات والطعام رغبة في مساعدة المحيطين به في تلك الظروف.
تحول العمل الفردي للشاب البالغ من العمر 39 عاما، إلى التطوع لدعم مبادرة وزارة الهجرة التي انطلقت باسم "خلينا سند لبعض"، لتشجيع المصريين على دعم العالقين من أبناء بلدهم في مختلف بلاد العالم، فانضم إليها فور سماعه عنها: "أغلب العالقين ملهمش تأمين صحي وبعضهم كبار السن محتاجين أدوية، وحبيت أشارك وأساعدهم بعد ما زادت الأزمة"، حسب تعبيره.
هابي الذي يعمل رئيسا لمجلس إدارة أحد شركات السياحة في أمريكا، لم يتوان في تقديم المساعدة للعالقين المصريين في أكثر المناطق انتشارا للفيروس "بروكلين"، معتبرا ذلك واجبا عليه نحو أبناء بلده في تلك الظروف الصعبة: "لازم كلنا نقف جنب بعض".
مصري تطوع لتنظيم موسم الحج بالمسجد النبوي
سنوات طويلة من عمره قضاها في مدينة رسول الله التي دعا لها بالبركة، حيث ولد الشاب المصري محمد حمدي سليمان وعاش هناك، وتربى وسط أهلها واكتسب كثيرا من خصالهم، أحبّ التطوع وعمل الخير وسطهم، وكان المسجد النبوي الشريف وجهته الأولى للتطوع هناك، كرّس كثيرا من وقته لخدمة زائريه في مواسم العمرة والحج وطوال أيام العام، بعد أن نال شرف التطوع هناك ضمن فرق الهلال الأحمر السعودي وتحديدا كنائب مشرف لجنة الإحصاء بالحرم للمسجد النبوي.
على مدار اليوم، يتابع الشاب البالغ من العمر 18 عاما عدد المتطوعين وعدد البلاغات والحالات التي تم تقديم المساعدة الطبية لها، لحصرهم في تقرير نهائي يتولى تقديمه إلى إدارة اللجنة المتطوع بها في نهاية كل يوم، "في موسم الحج والعمرة ورمضان بيكون التقرير مجمع من أول يوم الموسم لآخر يوم"، يقول محمد في بداية حديثه لـ"الوطن" عن مشاركته في فرق تنظيم موسمي الحج والعمرة في الحرم النبوي.
آلاف المصلين المتزاحمين على بوابات الحرم النبوي في انتظار الدخول إلى المصليات الداخلية، مشهد اختلفت ملامحه كثيرًا في ظل وباء كورونا الحالي، الأعداد قليلة والمسافات كافية بينهم، لم يعد التزاحم مسموحا به، "بجانب إحصاء فرق المتطوعين والبلاغات بنتكلف بالوقوف على البوابات بجهاز قياس الحرارة نتأكد من إن جميع المصلين درجة حرارتهم طبيعية وكلهم لابسين الكمامات عشان سلامتهم"، وبحسب وصف الفتى المراهق لا يعبر أحد إلى الداخل دون التزامه بالكمامة وسجادة الصلاة الخاصة به.
تطوع الفتى المصري لم يقتصر على موسم الحج بل اعتاد التواجد أيضًا منذ ساعات الصباح الأولى على بوابات الحرم النبوي لتنظيم الدخول إلى صلاة الجمعة لكثافة الأعداد في ذلك اليوم عن باقي أيام الأسبوع، كل ذلك حُرم منه لمدة 3 أشهر حين أصدرت المملكة السعودية قرارا بمنع إقامة الصلاة في المساجد خلال فترة انتشار فيروس كورونا منذ مارس الماضي، وما إن شهدت الأزمة انفراجة في يونيو وفتح المسجد أبوابه من جديد عاد محمد متشوقًا لمباشرة مهام تطوعه، "كانت فترة صعبة اتحرمنا فيها من المكان وما صدقنا نرجع".