الجمعة الأولى بمسجد الشيخ كشك بين اللهفة والبكاء: "صلوا في بيوت الله"
مصلون: فرحانين كأننا رايحين الحج.. والإمام: لدينا نزعة إيمانية
الجمعة العائدة من مسجد الشيخ كشك بين اللهفة والبكاء
شارع واسع، يتسع لثلاث حارات من السيارات، على يمينه مسجد قديم، شغله زحام المارة، جميعهم يحملون في أيديهم سجادة صلاة، وعلى وجوههم كمامة، يهرولون إلى صلاة الجمعة، مشهد اختفى منذ فترة بعيدة، لكنه عاد من جديد بشكلٍ أكثر أمانًا وبطريقة منظمة، الجميع ينتظر دوره في الدخول، معتمدًا على سجادته، بينما بدا السلام من مسافة بعيد والتحية بابتسامة، وفور انتهاء الجمعة ذهب كلٌ منهم لمبتغاه.. هنا مسجد "الشيخ كشك" في شارع مصر والسودان بمنطقة حدائق القبة.
"حي على الصلاة.. حي على الفلاح".. جملتان ارتفع بهما صوت المؤذن في صلاة الجمعة، اليوم، بعد العودة لصيغة الأذان الاعتيادية، عقب توقفها في 21 مارس الماضي، بسبب غلق المساجد لاتقاء تفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، لتصير صيغة أذان النوازل هي السائدة في جميع المساجد، ويحافظ المسلمون على الصلاة في منازلهم.
المصلون يودعون "ألا صلوا في بيوتكم"
اليوم، كان موعد وداع "ألا صلوا في بيوتكم"، تلك الجملة التي أبكت الكثيرين حين سماعها، عقب قرار الأوقاف بعودة صلاة الجمعة بداية من 28 أغسطس، ليذهب الناس للمساجد، مع الالتزام بالإجراءات الوقائية التي أقرتها وزارة الأوقاف من أجل سلامة الجميع.
قبل رفع الأذان، وضع أحمد حسنين، خادم المسجد زجاجة كبيرة من الكحول قرب باب الدخول، وأخذ يرش منها لمن يدخل المسجد ولا يسمح بالدخول دون تطهير الأيدي: "الوزارة موصيانا بكده، ومش عاوين حد يصلي وهو خايف يتعدي، إحنا في بيت ربنا ولازم نكون مطمنين".
من خلفه اتجه عامل آخر بالمسجد، لتنظيف الأرض من الأتربة والشوائب، عن طريق "المكنسة" الكهربائية، متحدثًا لـ"الوطن": "إحنا بقالنا كام يوم شغالين على الجامع وبننضف فيه، عشان الناس تيجي تشوفه في أحسن صورة، نفسنا ربنا مايرجعش الوباء ده تاني، ولو علينا نشيل التراب بإيدينا في خدمة بيت ربنا".
شوق ولهفة بدت على وجوه المصلين في أثناء دخولهم للمسجد، صوت أذان الجمعة يعم أرجاءه، والابتسامه تعلو الوجنتين، في تحية طيبة لخدام المسجد الذين يعطونهم المواد المطهرة، وكأن لسان حالهم يقول "أخيرًا عادت صلاة الجمعة".
مظاهر تباعد اجتماعي وتعقيم في صلاة الجمعة
القائمون على المسجد حرصوا على وضع الملصقات الأرضية التي تشير للتباعد الاجتماعي، التي جاءت على شكل سهم مكتوب عليه "ضع سجادتك هنا"، وبين كل مُصلٍ والآخر ما يقرب من متر، مع عدم تساوي الصفوف، بحيث يصلي كل فرد دون أن يوجد شخص أمامه.
عقب امتلاء المسجد، أغلق بابه وفقًا لتعليمات "الأوقاف"، فلم يجد المصلون الآخرون بدًا سوى افتراش الساحة المواجهة للمسجد لكن مع التباعد الاجتماعي الذي حددوه لأنفسهم، قبل أن يظهر تأثر شديد منهم خلال دعاء الإمام في نهاية الخطبة، خاصة عندما قال "اللهم ارفع عنا البلاء والوباء"، لتنسال الدموع من البعض، سائلين المولى أن يرحل كورونا عن البلاد.
عقب التسليم من الصلاة، لملم كل مصلٍ سجادته التي افترشها، وخرج في هدوء ونظام من باب المسجد، ليصفوا شعورهم بعد أداء الصلاة، فيقول عبدالرحمن مختار: "بنتمنى على طول يكون فيه صلاة جمعة، كل الناس خدت مكانها وكانوا ملتزمين، وأول ما العدد اكتمل الباب اتقفل ودي كانت لفتة حلوة من المسجد وطمنتنا على نفسنا"، فيما يعبر والده مختار سعد عن سعادته بعودة الجمعة: "شعور بالفرحة مش قادر أوصفه، كأن الواحد رايح الحج، ربنا يبارك في بلدنا ويأمن شعبنا".
بعنوان "الأمل حياة" جاءت خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الشيخ محمود حسن، والذي اعتبر في حديثه أن المصريين لديهم وازع ديني كبير يظهر في الأزمات مثل كورونا وغيرها، "يمكن في الأيام دي الواحد مش مؤمن حق يخاف ينزل يصلي ويلتزم بيته، لكن كل الناس دي جاية وسائلة ربنا النجاة".
الأوقاف بذلت مجهوداً يذكر فيشكر، مع المساجد كافة، وفقًا لحديث إمام المسجد، لافتًا إلى أن خطبة الجمعة جاءت بمثابة مسحة على قلوب من تأذوا من كورونا: "في ناس كتير جالها الفيروس أو فقدوا عزيز عليهم بسببه، عشان كده كان من الضروري نعطيهم أمل لاستكمال الحياة بابتسامة ورضا، بأن ربنا دائمًا موجود يرعاهم ويحفظهم".