شهر على انفجار لبنان والجاني مجهول: لا يوجد سقف زمني
انفجار بيروت
لم يثير انفجار بيروت، في 4 أغسطس الماضي الحزن والألم فقط، وإنما فجر ملابسات عديدة، للبحث عن المتسبب في تلك الجريمة الشنيعة، التي حولت لبنان لدولة منكوبة.
وبلغ عدد قتلى انفجار مرفأ بيروت 190 فردا، وتجاوز الجرحى 6500، بينما لا يزال ثلاثة في عداد المفقودين، وأدى إلى تشريد 300 ألف شخص، وتسبب في أضرار مباشرة قيمتها 15 مليار دولار، وأن 50 ألف منزل وتسعة مستشفيات رئيسية، و178 مدرسة تضررت، بينما بلغت الخسائر نحو 15 مليارا من الدولارات.
وعلى مدار شهر من انفجار المرفأ، جرت الكثير من التحقيقات، للوصول إلى المتسبب في الواقعة، بينما مازال الأمر مجهولا.
بداية التحقيقات
في 7 أغسطس الماضي، أعلن مفوض الحكومة اللبنانية لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي، توقيف 16 شخصا على خلفية التحقيقات، واستجواب أكثر من 18 مسؤولا في مجلس إدارة مرفأ بيروت وإدارة الجمارك، ومسؤولين عن أعمال الصيانة ومنفذي هذه الأعمال في العنبر رقم 12، موقع الانفجار.
وبعد 3 أيام، بدأت جلسات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، حيث استمع القاضي لإفادة مدير عام جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا، وعدد من قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية في التحقيقات بانفجار بيروت.
عقب ساعات قليلة من ذلك، تم الإعلان عن إحالة قضية انفجار مرفأ بيروت إلى المجلس العدلي اللبناني، الذي يتولى الجرائم الواقعة على أمن الدولة والنيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي والوحدة الوطنية والمكانة المالية، أو محاولة الإعتداء التي تستهدف إثارة الحرب الأهلية أو الإقتتال الطائفي، وجرائم صنع أو اقتناء أو حيازة المواد المتفجرة.
وبعد 3 أيام، أقر مجلس النواب اللبناني إعلان حالة الطوارئ في بيروت، بينما بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي مشاركته في التحقيقات، وباليوم التالي وجه مدعي عام التمييز في لبنان القاضي غسان عويدات، اتهامات إلى 25 شخصا بينهم مسؤولون كبار في ميناء بيروت والجمارك والأمن، كان 19 منهم قيد الاحتجاز.
وفي 24 أغسطس أعلن الجيش اللبناني أن عناصره عثروا، بالتعاون مع خبراء من فرنسا، على 79 مستوعبا تحتوي على مواد "خطيرة" في مرفأ بيروت.
نيترات الأمونيوم
وبالتزام مع بداية التحقيقات، تم الإعلان عن أن الانفجار ناجم عن نيترات الأمونيوم، ثم اتضح لاحقا أن عنبر في مرفأ بيروت لم تكن فيه "نيترات الأمونيوم" فقط، بل أيضا كيميائيات ومتفجرات، منها "كيروسين" وزيوت غازية، مع 25 طنا مفرقعات وألعاب نارية، وصمامات انفجارية تستخدم بالتعدين والكسارات المستخرجة المحاجر، والمذيبات لتجريد الطلاء، وفقا لغسان عويدات، المدعي العام اللبناني.
وحتى الآن، لم يتم الكشف عن المالك الحقيقي للنيترات، والتي كانت نتقلها السفينة الروسية Rhosus المحتجزة حاليا، لذلك يركز فريق التحقيق المكون من لبنانيين وفرنسيين مع المكتب الفيدرالي الأمريكي، هو الوصول لما تم بيعه من النيترات لأيدي السارقين من "مافيا المرفأ"، لذلك رفعوا قوانين السرية المصرفية عن 11 مسؤولا تم اعتقالهم، ولهم صلة بالمرفأ.
شبهات حول حزب الله
فور وقوع الانفجار، اتجهت الأنظار إلى حزب الله واتهامه بأنه المسئول عن ذلك الانفجار المأساوي، وهو ما أفادت به عدة شخصيات لبنانية بارزة، وبالتزامن مع ذلك، ومع النصف الثاني من أغسطس، كشف تحقيق أجرته صحيفة "دير شبيجل" الألمانية بالتعاون مع مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد، عن خيط يربط بين صاحب شحنة الـ 2750 طنا من نترات الأمونيوم وبين مصرف مرتبط بحزب الله.
وجاء بالتحقيق أن مالك السفينة "الحقيقي" كانت لديه صلات ببنك تابع لحزب الله، وهو رجل الأعمال القبرصي Charalambos Manoli ، الذي أظهرت التحقيقات أنه على علاقة مع بنك يستخدمه حزب الله في لبنان، وأنه بذل قصارى جهده من أجل إخفاء ملكيته للسفينة، عبر ترتيبات أجرتها إحدى شركاته من أجل تسجيلها في مولدوفا.
ومن خلال التحقيقات، تبين أن السلطات اللبنانية لم تكن تعلم على ما يبدو بأن مانولي هو المالك الحقيقي للسفينة، لا سيما أن اسمه لم يظهر في أي من المراسلات المتعلقة بتلك القضية.
كل الفرضيات قائمة
وفي خضم التحقيقات، خرج الرئيس اللبنانى ميشال عون، قائلا إن كل الفرضيات قائمة حول سبب انفجار مرفأ بيروت وأنه لا يوجد سقف زمني لمدة التحقيقات، مستبعدا أن يكون الحادث ناجم عن انفجار مستودع أسلحة لحزب الله"، حيث لم يكن يخزن أسلحة بالمرفأ، لكن التحقيق سيشمل كل الاحتمالات، مضيفا أن التحقيق يتحرى ما إذا كان الانفجار نجم عن إهمال أم حادث أم "تدخل خارجي".
بينما أصدر المحقق العدلي في قضية الانفجار القاضي فادي صوان، قرارا بحبس المدير العام لإدارة الجمارك بدري ضاهر، بصورة احتياطية على ذمة التحقيقات، وذلك بعد استجوابه لنحو 5 ساعات في حضور محاميه، بالإضافة لتوقيف حنا فارس مدير إقليم بيروت في إدارة الجمارك، ونائلة الحاج المسؤولة عن الشركة المتعهدة بأعمال صيانة العنبر الرقم 12، حيث وقع الانفجار.
وأمر أيضا بحبس ضباط يمثلون أجهزة أمنية مختلفة داخل الميناء (المخابرات والأمن العام وأمن الدولة والجمارك) على ذمة التحقيقات التي يباشرها.
وفي نهاية أغسطس، أعلن جهاز قوى الأمن الداخلي في لبنان أنه ألقى القبض على 111 شخصا مشتبها بارتكابهم جرائم سرقة في مناطق متفرقة من العاصمة، والتي تضررت جراء انفجار ميناء بيروت البحري.
استمرار البحث عن المتهم
وحتى اليوم، مازالت تكشف التحقيق الجديد حول الواقعة، لكن دون الإشارة إلى تورط أي جهة أو أفراد، حيث إنه خلال الساعات الماضية، أعلن الجيش اللبناني العثور على 4.35 طن من نترات الأمونيوم قرب مدخل مرفأ بيروت، مشيرا إلى أن وحدات من فوج الهندسة تعمل على معالجتها.
كما استمع المحقق العدلي في القضية إلى إفادة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، في شأن ملابسات الانفجار على سبيل الاستدلال، وذلك في إطار التحقيقات التي يباشرها، ويُنتظر أن يستمع في غضون الأيام القليلة المقبلة إلى أقوال عدد من الوزراء المختصين الحاليين والسابقين، لا سيما وزارتي المالية، والأشغال العامة والنقل، باعتبار أن الوزارتين تعود إليهما الاختصاصات المتعلقة بإدارة وتشغيل الموانئ.