"الوطن" ترصد فوضى المباني بالقاهرة الخديوية: محال أحذية بشقق رموز الفن
فوضى مباني وسط البلد
توجيهات حازمة من الرئيس عبدالفتاح السيسي لإعادة القاهرة الخديوية لسابق عهدها حين شيدها الخديو إسماعيل لتكون باريس الشرق وإزالة عوامل الزمن من مبانيها التي هرمت وظهرت على وجهها تجاعيد الزمن وامتدت إليها يد الإهمال لتشوه كل ما كان بها من جمال.
"الوطن" رصدت الوضع الحالي لمباني وسط البلد بعدما زحفت إليها التعديات وقبيل بدء العمل في مبانيها التاريخية التي ظلت لسنوات شاهدة على تاريخ من الفن والثقافة حيث قطن مبانيها رموز الفكر والسياسة وقوة مصر الناعمة على مدى عشرات السنين بمبانٍ تعتبر تاريخية يبلغ عددها 421 بناية داخل مساحة لا تقل عن 700 فدان، تعكس جمال القاهرة وماضيها عبر أكثر من 150 سنة بعمارات الإيموبيليا، ويعقوبيان وعمارة تريستا، وعمارة بناجا، وعمارة النادي الإنجليزي، وعمارة جروبي، ومبنى سينما راديو، وعمارة أسيكيورازيوني
ورش ملابس بسكن رائد المسرح على مقربة من ميدان طلعت حرب مبنى يحمل رقم 33 عبدالخالق ثروت ذو تصميم فريد بجناحين بارزين وثالث يقسمها شيد كما ذكر على لافتته التأسيسية سنة 1929 لتصميم المعماري الإنجليزي أرنولد نزر، حيث عاش رائد المسرح الفنان زكي طليمات في عقار تحول لورشة ملابس ما أن تدخل إليه حتى تشعر بأنك عدت لخمسينيات القرن الماضي حيث الأسقف المرتفعة والمصاعد التراثية وبالرغم من أن القيمة الفعلية للعقار بالملايين إلا أن إيجار بعض شققه لا تتجاوز بضع مئات وأحدها يشغلة فندق لا تتخطى ليلته الـ150 جنيهًا على مقربة منه عقار أتت عوادم السيارات على واجهاته وشوهتها وحدات أجهزة التكييف وأحاط بها من كل جانب مقاعد انتظار المواطنين لمبنى بنك ناصر الاجتماعي
كرنفال ألوان وعشوائية لافتات بالممرات وسط زحام بعض الشوارع ومواصلة الحركة على الأرصفة وعدم وجود مساحات وفراغات عديدة بالشوارع، يجبر الوافدين للقاهرة الخديوية على عدم الوقوف والتأمل في الطرز المعمارية المختلفة، ويقعون تحت ضغوط التشتيت البصري فعبر الممرات التي تشتهر بها القاهرة الخديوية عالم آخر من التعديات والتشويه البصري عشرات المحلات التي لا يجمعها أي طابع كل منهم يضع لافتة بلون مختلف وينشر بضائعه على طول الممر لتتوسط مقاعد المقاهي المنتشرة والباعة الجائلين ويقطع المشهد العشوائي أسلاك الإنترنت ووصلات أطباق الإشارة.
الإيموبيليا محال أحذية في شقق رموز الفن
مشهد الفوضى البصرية يحملك لمشهد آخر مماثل بعمارة هي الأشهر "الإيموبيليا" والتي غطت عشوائية اللافتات شرفاتها ما بين أطباع ومحامين وشركات تأمين واستبدلت الشقق التي سكنها رموز الفن من نجيب الريحاني لصباح وأسمهان بسكان من نوع مختلف حولوها لمخازن ومحال بيع الملابس والأحذية وطليت شرفاتها بألوان كرنفالية من الزهري للأخضر وكل ساكن يطلي بما شاء من ألوان.
تميز القاهرة الخديوية لا يتوقف عند واجهات المبنى بل يتخطاه لأسطحها حيث تضم القاهرة الخديوية العديد من القباب الفريدة، من بينها قبة عمارة تيرينج التي تعلوها 4 تماثيل يحملون الكرة الأرضية، وقبة الشواربي التي تميزت بزخارف ونقوش مصرية قديمة، مثل رأس أبو الهول وقرص الشمس المجنح، والقبة الفريدة لمبنى عمر أفندي، بالإضافة طبعا لقباب العمارات الخديوية الأربعة، والقبة ذات النوافذ بالعقار رقم 4 بشارع طلعت حرب، وأيضا قبة مبنى الفندق الوطني القديم بالشارع ذاته.
4 عمارات ضخمة تتميز بالقباب الفريدة تطل شاهدة على العصر من منتصف شارع عماد الدين، عمرها تجاوز المائة عام وما زالت شامخة وشاهدة على تاريخ المحروسة، ورغم تدهور أحوال هذه العمارات من حيث البنية التحتية التى اهترأت والحوائط التى تآكلت والنوافذ والأبواب التى تحطمت، وإجمالاً يمكننا القول إن ما ذهب منها أكثر مما تبقى، حيث لم يصمد من هذه العمارات فى وجه الزمن سوى القباب الشاهقة التي تحدت كل الظروف وبقيت على شموخها وصمودها، لأنها كانت يوماً تضاهى القباب الشهيرة فى أوروبا قبل أن تغتالها أيادى الإهمال وتحولها إلى مجرد أطلال وأسماء يصعب نسيانها لارتباطها بذاكرة أهل مصر المحروسة.
كان الحظ من نصيب الرابعة عمارة "15" الخديوية شارع عماد الدين، حيث نفذ أول مشروع لتطوير أحد المبانى بالقاهرة الخديوية بشكل كامل من بنية تحتية إلى الطلاء وتطوير الداخل وتحويل الشقق الفارغة بها لمشاريع فنية ثقافية تستقطب محبى الفن.
بمجرد الوصول إليها يستقبلك بابها الحديدى الضخم وكأنه بوابة الزمن تقودك إلى صرح واسع من أربعة مبانٍ متصلة لكل منها مصعده الخاص، يتوسطه منطقة مفتوحة بها "نافورة" توقفت منذ عشرات السنين، يقودك الصرح الذى بدأت أعمال ترميمه وتجديد البنية التحتية به إلى طوابق يشغل أغلبها فنادق لا تزال على هيئتها منذ خمسينيات القرن الماضى ومنها إلى الطابق الأخير الذى يقود إلى سلم خشبى يصل بك إلى الأسطح التى تقطن بها 6 عائلات منذ عشرات السنين يمارسون حياتهم بشكل طبيعى فى أكشاك نصفها خشبى ونصفها خرسانى طالتها هى الأخرى تجاعيد الزمن والعشوائية لسنين متتالية، ثم تقودك إلى سلم خشبى آخر يصل لقبة العمارة رقم "15" خديوية، وهى الشىء الوحيد فى المبنى الذى يكاد يحتفظ بشكله منذ أمر الخديو إسماعيل بإنشاء قاهرته الخديوية لتكون القاهرة باريس الشرق.
التنسيق الحضاري: سنعيد لكل هذه المباني بهاءها وجمالها ورونقها من جديد
"سنعيد لكل هذه المباني بهاءها وجمالها ورونقها من جديد"، هكذا قال المهندس محمد أبو سعدة رئيس جهاز التنسيق الحضارى، مشيرًا إلى أن العمل بدأ بالفعل وأنهينا العمل بواجهات مباني ميدان التحرير بالكامل ويجري العمل حاليًا بميداني طلعت حرب ومصطفى كامل في مشروع العمارة الخديوية رقم 15 بشارع عماد الدين، ولن يتبقى من هذا المشهد سوى الذكريات، مشيرًا إلى أن الجهاز حريص عند ترميم كل مبنى ألا يكون الترميم عشوائيًا بل بعد عمل مسح ودراسة للهيئة التى كان عليها المبنى وقت بنائه، والألوان التى استخدمت عند طلاء كل مبنى منها، وهنا نعود إما للصور القديمة أو ما تبقى من ألوان على الواجهات، وإذا فشلنا، تكون العودة إلى اللجنة الاستشارية القائمة على المشروع لاختيار أقرب لون إلى اللون الأصلى فمهمتنا أن نزيل عنها عوامل الزمن.
وتابع "يتم استخدام مادة أسمنتية للواجهات وليس طلاء عادياً حتى يحافظ على الواجهة من جهة ويقاوم عوامل الزمن والعوادم وبذلك يحتفظ المكان بشكله لأطول فترة ممكنة"، وفيما يتعلق بالتعديات التى طالت المبانى فإن الضبطية القضائية منحت للعاملين بجهاز التنسيق الحضارى الحق فى تحرير محاضر ضد المتعدين، وفيما يخص الأطباق اللاقطة واللافتات وغيرها فإنها ستختفى من كل المبانى وسيتم استبدالها من خلال مشروع طموح لاستغلال الأسطح والاستفادة منها بشكل مستدام حيث نسعى لعمل مشروع يحدد أماكن للاطباق على الأسطح ويستفيد من الفراغات ويستثمرها بشكل يحقق عائد يستخدم في ضمان استدامة صيانة المباني والحفاظ على رونقها الخارجي كما نأمل أن يتم الاستفادة من تلك الأسطح بعمل وحدات طاقة نظيفة وزراعتها بأنظمة لا تضر المبنى التاريخي وتنهي حالة العشوائية التي جعلت المشهد العلوي غاية في القبح.
وفيما يخص كرنفال الألوان بلافتات المحال والعلامات التجارية الكبرى والبنوك قال رئيس جهاز التنسيق الحضاري سيتم توحيد الألوان وإزالة التعديات من بروز وخلافه ووضع معايير محددة بحيث يحتفظ كل محل بعلامته التجارية ولكن مع توحيد اللون والاسم وذلك ما حدث في ميدان التحرير وانعكس بشكل كبير على الشكل العام للمكان كما سيتم رفع لافتات الشرفات للأطباء والشركات وخلافه وتحديد مكان محدد بمدخل كل مبنى منها لوضع اللافتة وبالطبع بتجديد الواجهات ستختفي ألوان الشرفات المختلفة، فالقانون يرغم أصحاب المحال على العودة للجهاز عند عمل أى تجديدات، وللجهاز اختيار ما يناسب النسق العام.