"التصويت المبكر" الأمريكي.. "رفاهية الديمقراطية" تتحدى كورونا
عبدالجواد: بدايته تعود لأوائل الـ19.. وربيع: يشبه تصويت أعالي البحار
الانتخابات الأمريكية بدأت قبل موعدها الرسمي بـ"التصويت المبكر"
بينما انطلق بالولايات المتحدة ما يُعرف بـ"التصويت المبكر" في الانتخابات الأمريكية، وذلك قبل الموعد الرسمي للانتخابات المقرر في 3 نوفمبر المقبل، تساءل كثيرون في البلدان التي لم تعرف مثل هذا النوع من التصويت عن طبيعته، ولماذا يصوت ناخبون أصلا قبل الموعد الرسمي للانتخابات.
ويوضح الدكتور عاطف عبدالجواد، المتخصص في الشؤون الأمريكية، أنه بالرغم من أن الدستور الأمريكي ينص على أن موعد الانتخابات الرئاسية أو الفيدرالية يحل يوم الثلاثاء التالي على أول يوم إثنين من شهر نوفمبر، إلا أن فكرة التصويت المبكر ليست وليدة الساعة، وإنما لها تاريخ بعيد، ويعود هذا التاريخ إلى أوائل القرن التاسع عشر، حيث مورس التصويت المبكر لأسباب قوية طبعا في حالات مثل الحرب الأهلية والحرب العالمية الأولى والثانية".
وأضاف: "من بين أنواع التصويت المبكر أيضا ما يعرف بالتصويت عن طريق البريد، حيث سُمح لأفراد القوات المسلحة الذين يخدمون في قواعد عسكرية أمريكية خارج الولايات المتحدة بالتصويت المبكر عن طريق البريد حتى يصل تصويتهم إلى الولايات المتحدة في موعد غير متأخر، ثم بدأت بعد ذلك فكرة التصويت المبكر تأخذ شكلا متزايدا بين المدنيين، ففي عام 2000 بدأت ولاية أوريجون الأمريكية في السماح للمواطنين بالتصويت المبكر إذا كانت لهم أعذار مقبولة، مثل أسرة بعيدة عن بيتها لأسباب معينة، أو ما شابه".
عبدالجواد: التصويت المبكر هذه المرة سببه الرغبة في تجنب الزحام
لكن هذه المرة فإن التصويت المبكر الذي يشمل أيضا التصويت عن طريق البريد، والتصويت الشخصي المباشر قبل الموعد الرسمي للانتخابات، نشأ بسبب الرغبة في تحاشي حدوث الزحام في اليوم الرسمي المحدد للانتخابات الفيدرالية الرئاسية مع ما يعنيه ذلك من إمكانية نقل العدوى والإصابة بفيروس كورونا المستجد، خاصة وأنها ليست فقط انتخابات رئاسية، وإنما أيضا انتخابات تشريعية، وفيها عدد كبير من أعضاء الكونجرس الأمريكي يعاد انتخابهم أو يسقطون في الانتخابات.
وحول اختلاف مواعيد التصويت المبكر في الولايات، أوضح "عبد الجواد" أن الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية شأن داخلي محلي من شئون كل ولاية، أي أن الحكومة الفيدرالية لا تتحكم لا بأي ترتيبات أو مواعيد أو نظم تخص التصويت، لا التصويت المبكر ولا الانتخابات، وكل ولاية تضع لنفسها ما تراه مناسبا، ما دام التصويت المبكر سيحدث خلال ستين إلى ثلاين يوما من موعد الانتخابات الرسمي، ولذلك تجد تفاوتا اليوم في موعد وأشكال وترتيبات التصويت المبكر، وكل هذا يختلف من ولاية لولاية، لأن كل ولاية تضع ترتيباتها ومواعيدها بنفسها لنفسها.
وأشار إلى أن التصويت المبكر يشمل إما أن يذهب الناخبون خلال فترة معينة تحددها الولاية للإدلاء بأصواتهم مبكرا عن الموعد الرسمي، أو أن يحصل على نموذج استمارة رسمية من إدارة ولايته ويدلي بصوته عليها ويضع صوته عليها، ويرسلها عن طريق البريد، ونحن نعلم أن أكثر من 25 مليون ناخبا أمريكيا أدلوا بأصواتهم بهذه الطريقة حتى الآن، وربما بعد زوال وباء كورونا تصبح هذه الأشياء تقليدا بحيث لا تقتصر عملية التصويت على يوم واحد فقط.
حرب: معظم الولايات الأمريكية بدأت التصويت المبكر بالفعل وحماس الناخبين كبير
وفي السياق نفسه، أشار توم حرب، المتخصص في الشؤون الأمريكية، إلى أن معظم الولايات الأمريكية بدأت التصويت المبكر، وهنالك ولايات بدأت قبل شهر، وولايات بدأت قبل 3 أسابيع، وأخرى قبل أسبوعين.
ولفت "حرب" إلى أن هناك حماس شديد من قبل الجمهور الأمريكي للإنتخابات، حيث أنه من أصل 150 مليون شخص ربما ينتخبون، هناك أكثر من 20 مليون شخص انتخبوا بالفعل، وهؤلاء هم الذين يعرفون بالفعل كيف سيصوتون، إلا أن هنالك ربما أشخاص يفضلون الانتخاب في 3 نوفمبر، تحسبا لأي تغيير في المواقف قد يجعلهم يُغيرون اتجاهاتهم في التصويت".
ويعتقد الدكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن التصويت المبكر، تقليد يعبر عن "رفاهية ديمقراطية" على حد تعبيره، بما يتيحه لمن لا يستطيعون التصويت في موعد الانتخابات لظروف مرضية أو قهرية أو من يخشون من التزاحم في الموعد الرسمي للانتخابات، أن يصوتوا مبكرا.
ويشبه "ربيع" هذا النوع من التصويت، وهذه الإمكانية التي يتيحها النظام الديمقراطي الأمريكي، بنوع آخر من التصويت معروف في ألمانيا ويسمى ب"تصويت أعالي البحار" والذي يتيح لمن تضطرهم ظروف عملهم على سفن في أعالي البحار لمدد طويلة بالمشاركة في التصويت في الانتخابات.
بكر: نتائج التجربة ستحدد ما إذا كان سيتم البناء عليها مستقبلا أم لا
ومن ناحيتها، تؤكد الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، بأن السبب الرئيسي وراء ظهور ما يعرف بـ"التصويت المبكر" في الانتخابات الأمريكية الحالية، هو فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، وذلك تفاديا للزحام الذي يمكن أن يزيد خطر الإصابة بهذا الفيروس الخطير الذي يهدد الصحة، وتعتبر الأرقام الحقيقة للإصابة به مخيفة حتى الآن في الولايات المتحدة الأمريكية.
وحول مستقبل هذا النوع من التصويت، قالت: "لا نعرف بعد ما إذا كان هذا النوع سيتم البناء عليه في المستقبل بعد انتهاء الوباء"، مستدركة: "أعتقد أن نتائج التجربة وحجم التصويت، وحجم الاحتياج إليه، هو الذي سيُظهر ذلك".