رسول المعجزات.. صعد للسماء وانشق القمر وفار الماء بين أصابعه
فتح مصر وهلاك كسرى وقيصر من نبوءاته
ذكرى مولد الهادي البشير
تتعدد صفات سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ما بين الرحمة والخلق العظيم والصادق الأمين، كما تتخذ المعجزات الحسية جانباً من حياته كما حدث مع الرسل من قبل، فهذا سيدنا إبراهيم كانت النار برداً وسلاماً عليه، وهذا سيدنا موسى تجمدت المياه تحته لينجو، وقومه من بطش فرعون وسيدنا عيسى الذي كان يشفى المرضى ويحيي الموتى بإذن الله، فماذا عن كرامات ومعجزات سيدنا رسول الله؟.
يقول فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر الراحل، في إجابة عن سؤال حول معجزات الرسول الحسية إنه قد أيَّد الله رسله عليهم الصلاة والسلام بالآيات والمعجزات التي تؤيد رسالتهم، وأن تلك المعجزات ليس في مقدور البشر الإتيان بها، ولذلك سمى العلماء المعجزات بأنها الأمر الخارق للعادة الذي يجريه الله تعالى على يد نبي مرسل ليقيم به الدليل القاطع على صدق نبوته.
معجزة الإسراء وردت في القرآن.. والمعراج أثبتتها الأحاديث الصحيحة
وأوضح الشيخ طنطاوي، بحسب موقع دار الإفتاء المصرية، أن بعض المعجزات الحسية لسيدنا رسول الله وردت في القرآن الكريم كمعجزة الإسراء والمعراج، على أن معجزة الإسراء وردت صريحة فيه، وأما معجزة المعراج فقد أثبتتها الأحاديث الصحيحة، وورد فيها فرض الصلوات الخمس أثناء معراجه صلى الله عليه وآله وسلم من تفضيل في فريضة الصلاة وأنها خمس صلوات بالصفة والكيفية المعروفة لنا جميعًا، وأن الله تعالى أمره صلى الله عليه وآله وسلم بأن يوضح للناس ما أجمل في القرآن؛ فقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44].
فتح مصر وهلاك كسرى وقيصر من نبوءات الرسول
ومن المعجزات الحسية: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ؛ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» رواه مسلم. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ» رواه الشيخان.
وعن علي رضي الله عنه قال: "كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله شجرٌ ولا جبلٌ إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله" رواه الترمذي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: بم أعرف أنك رسول الله؟ قال: «إِنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ -أي: الغصن- مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ؛ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟»، فدعاه، فجعل العذقُ ينزل من النخلة حتى سقط إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: السلام عليك يا رسول الله، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ارْجِعْ إِلَى مَوضِعِك»، فعاد إلى موضعه والتأم، فأسلم الأعرابي. رواه الترمذي.
فار الماء يوم الحديبية..وانشق القمر
وعن أنس رضي الله عنه قال: "خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جذع، فلما صنعوا له المنبر فخطب عليه حنَّ الجذع حنين الناقة، فنزل صلى الله عليه وآله وسلم فمسه، فسكن" رواه الترمذي. وعن جابر رضي الله عنه قال: "عطش الناس يوم الحديبية، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين يديه ركوة -إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء-، وقالوا: ليس عندنا ما نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك، فوضع صلى الله عليه وسلم يده في الركوة، فجعل يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فتوضأنا وشربنا". قيل لجابر رضي الله عنه: كم كنتم يومئذ؟ قال: "لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة" رواه الشيخان.
ومن معجزاته أيضًا صلى الله عليه وآله وسلم انشقاق القمر؛ قال الله تعالى في سورة القمر: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ ۞ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾ [القمر: 1-2]، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنًى إذ انفلق القمر فلقتين، فكانت فلقة وراء الجبل، وفلقة دونه، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اشْهَدُوا» رواه الشيخان.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقين؛ حتى رأوا حراء بينهما" رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم.ومن الواضح أن انشقاق القمر إنما حصل بقدرة الله عز وجل إكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتأييدًا لنبوته، وقد جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة؛ فلا ينبغي أن يرتاب فيه من يؤمن بقدرة الله عز وجل.
الشيخ طنطاوي: إنكار معجزات النبي يوجب الخروج من الشريعة
وقال الشيخ طنطاوي إن معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم ثابتةٌ بالتواتر الحقيقي أو المعنوي في مجموعها، بل في كثيرٍ من آحادها، وتابع "ولا معنى لأن تسلِّموا ذلك في حق الأنبياء ثم تتوقفوا فيه بالنسبة لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا رددتم ما في صحاح كتب السنة من ذلك بعد اعترافكم بجواز الوقوع وبحصوله للأنبياء السابقين على ما ينطق به القرآن، وهو فرق لا نعقله؛ قلنا لكم: إن تلك النزعة توجب عدم الثقة بما رواه أولئك الأكابر، وذلك يفتح باب فساد كبير، بل يوجب الخروجَ من الشريعة جمعاء، وإبطالَ كل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الأوامر والنواهي، وهو انفلاتٌ من الدين كله.
وتابع الشيخ الراحل: فإننا إذا طَعَنَّا في البخاري مثلًا ولم نثق بمروياته وهو أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل لزم ألا نثق بمن هو أقل منه، وما وصلتنا الشريعة إلا على يد هؤلاء، حتى عدد الركعات وكيفية الصلوات، فيكون الدين كله غير موثوق به، وهي نزعةٌ من شر النزعات وبلبلةٌ لأفكار المسلمين، فليحذر هؤلاء الشباب من تلك الأفكار، وليعتقدوا في المعجزات الحسية التي حدثت للنبي صلى الله عليه وسلم ووردت بها الأحاديث الصحيحة، ففي ردهم لتلك المعجزات ردٌّ للشريعة في نصوصها، ومَنْ هذا شأنه لا تصح الصلاة خلفه كإمام للمسلمين؛ حيث فرَّق بين الكتاب والسنة، وكلاهما مكملٌ لبعض. هدانا الله جميعًا لما فيه الرشاد، والله سبحانه وتعالى أعلم.