ترامب.. رئيس بخبرة سمسار عقارات
الرئيس الأمريكي ترامب يواجه اختبار الانتخابات الرئاسية الأمريكية
أربع سنوات من حكم ترامب للدولة التي تتحكم إلى حد كبير في مسار العالم، توشك على الانتهاء الآن، وربما أنها لن تتجدد لفترة رئاسية أخرى أيضا خلال الانتخابات الأمريكية الجارية، بعد مسيرة عاصفة بالنسبة للولايات المتحدة والشرق الأوسط، أدت فيها قرارات ومواقف الرجل الذي قدم حديثا للسياسية من عالم المال والعقارات، إلى إحداث وتغيرات دراماية غير مسبوقة.
ورغم نجاحه في الانتخابات الأمريكية الماضية، عام 2016، في مواجهة منافسته المحنكة هيلاري كلينتون، بعد لعبه على وتر إنعاش الاقتصاد الأمريكي وتخفيض البطالة، فقد كانت المظاهرات والاشتباكات غير المسبوقة التي اندلعت عقب نجاحه مؤشرا إضافيا على غرابة الرجل الذي لم يكن في قرارة نفسه يتخيل أن يفوز فعلا في الانتخابات.
هكذا جاء ترامب الذي درس المحاسبة في جامعة بنسلفانيا، وبدأ مسيرة إدارة الأعمال في شركة والده للعقارات، إلى الرئاسة محملا بطبيعة الحال بثقافته وخبراته في الاستثمار في عالم العقارات وناطحات السحاب والكازينوهات، التي تحكمها الصفقات والرغبة في المكسب حتى ولو على حساب قيم ومبادئ إنسانية أحيانا، وأراد بطبيعة الحال أن يُطبق منطقه الخاص هذا في علاقات واشنطن مع العالم، إلى الدرجة التي اعتبر معها مراقبون أنه يتعامل مع الدول والشعوب كما لو كانوا زبائن ساعين لعقد صفقات.
بدا منطق ترامب، على سبيل المثال، في تطبيق مبدأ الصفقات في العلاقات الدولية، في تصريحاته المتكررة بأن على دول الخليج أن تدفع مقابل حماية أمريكا لها واستمرار حكامهم على عروشهم، وهو الأمر الذي انعكس عمليا في صفقات شراء أسلحة أمريكية لدول الخليج من الولايات بمليارات الدولارات، الأمر الذي تباهى به ترامب لاحقا باعتباره انتصار له ستنعكس آثاره في انتعاش الاقتصاد الأمريكي.
نفس المنطق كان حاضرا أيضا، في القضية العربية الأكثر تعقيدا، وهي القضية الفلسطينية، التي طرح ترامب بشأنها ما أطلق عليه "صفقة القرن" الهادفة لتسوية القضية من وجهة نظره ووجهة نظر حليفته إسرائيل، وبدأت الصفقة باعترافه عمليا بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقله للسفارة الأمريكية إلى هناك، وهي وجهة النظر التي تمسكت السلطة الفلسطينية وكافة الفصائل السياسية هناك برفضها.
لم يقتصر الأمر بالطبع على الشأن العربي، وإنما امتد للشأن العالمي بل ومستقبل الكرة الأرضية ككل، وهو ما تمثل في موقفه من قضية "الاحتباس الحراري وتغير المناخ"، حيث انسحب ترامب من اتفاقية باريس لتغير المناخ الهادفة للحد من التلوث والانبعاثات الضارة بالبيئة، ورغم أن الشواهد على تغير المناخ باتت واضحة وتظهر في شكل كوارث طبيعية غير مسبوقة وتهديدات بكوارث أكبر مستقبلا مع استمرار ذوبان الجليد وزيادة مستويات سطح البحر، فإن ترامب استمر في الادعاء بأن تغيّر المناخ والاحتباس الحراري هو "خيال وخدعة باهظة الثمن"!
ولم تختلف كثيرا السياسات الداخلية لترامب عن سياساته الدولية المثيرة للجدل، ففي مجال الهجرة، بدأ بمحاولة حظر قدوم المسلمين واستهداف أولئك الذين ينتمون إلى بلدان ذات أغلبية مسلمة اعتبرها ترامب تمثل تهديدا، كما استهدف طالبي اللجوء على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وأمر ببناء جدار للفصل بين الولايات المتحدة والمكسيك، وهي قرارات وقف في وجهها أكثر من مرة القضاء الأمريكي ذاته.
ويمتد الأمر لما يتعلق أكثر بحياة الأمريكيين الذين قال عنهم المحلل السياسي ألون بن مئير، إنهم "اعتادوا على أكاذيب ترامب وبياناته الخاطئة حول التقدم المزعوم الذي حققته الولايات المتحدة خلال ولايته، ولقد حان الوقت لإلقاء نظرة فاحصة على سياسته الداخلية التي تتسبب في أضرار وألم رهيبين لغالبية الأميركيين"، لافتا على سبيل المثال لما قام به ترامب من محاولة إبطال "نظام أوباما للرعاية الصحية" المسمّى "أوباماكير Obamacare"، واختياره بدلاً من ذلك تفريغه من مضمونه بقدر الإمكان، ما تسبب في فقدان الملايين للتغطية الصحية.
وعلى الرغم من وجود قاعدة أمريكية ما زالت تؤيد ترامب وتصدقه، يقدرها المراقبون بنحو 25 إلى 30%، فإن استطلاعات الرأي التي يتم إجرائها الآن تُظهر تقدما لمنافسه الديمقراطي "بايدن"، وخلال أيام سيحسم الناخبون الأمريكيون ما إذا كانوا حقا يرغبون في استمرار إدارة السياسة داخل الولايات وفي كافة أنحاء العالم بطريقة رجل العقارات والصفقات، أم أنهم يبحثون عن بديل آخر يعطي الأولوية لاعتبارات احترام القانون وحقوق الإنسان.