«الطب ليس تجارة».. وصية «طبيب الغلابة» لتلاميذه بالقليوبية
أهالي «ميت كنانة» يودعون «قيمة وقامة»: «مع السلامة يا رمز الخير»
الدكتور أحمد شوقي طبيب الغلابة بالقليوبية
«من يريد الأموال لا يعمل بالطب وإنما يعمل بالتجارة، فالطب ليس وسيلة لجمع المال»، كانت هذه وصية الدكتور أحمد شوقي زغلول، المعروف بين أهالي قرية «ميت كنانة»، التابعة مركز طوخ، في محافظة القليوبية، باسم «طبيب الغلابة»، والذي توفى مساء أمس، وودعه الآلاف في جنازة مهيبة، اليوم الخميس، مرددين: «مع السلامة يا رمز الخير».
وتم الإعلان عن وفاة الدكتور أحمد شوقي زغلول مساء أمس الأربعاء، متأثراً بإصابته بفيروس كورونا المستجد، بعدما أمضى نحو أسبوعين داخل قسم العزل بمستشفي بنها الجامعي، عن عمر يتجاوز 70 سنة، قضى معظمها في عمل الخير، حتى نال لقب «طبيب الغلابة»، حيث كان سعر الكشف في عيادته ومركزه الطبي بمدينة بنها، وفي قرية «ميت كنانة»، 20 جنيهاً فقط لأهالي قريته، وكذلك قرية «مرصفا»، مسقط رأس والدته الراحلة، ويزيد سعر الكشف قليلاً للمرضى من أهالي القرى الأخرى المجاورة.
كما اعتاد «طبيب الغلابة» أن يراعي حال كل مريض يقصد عيادته أو مركزه الطبي، حيث كان يقوم بعلاج الكثيرين مجاناً، كما كان يعطي ثمن العلاج للبعض، خاصةً من كان يقابلهم كل يوم جمعه في منزله بالقرية، ويطلبون منه المشورة الطبية، فيقوم بإعطائهم الأموال من جيبه، قائلاً لهم: «اشتري حاجة حلوة لأبنائك»، وهو في الواقع يعطيه ثمن العلاج.
وقد خيمت حالة من الحزن على الآلاف ممن شاركوا في جنازة الطبيب الراحل، حيث وصفه «هاني سمير»، من أهالي القرية، بأنه «كان بحق ملاك من ملائكة الرحمة»، مشيراً إلى أنه كان يساعد كل من يلجأ إليه، خاصةً أهالي قريته، كما «كان علماً من أعلام ميت كنانة، لم يترك كبيراً أو صغيراً إلا وكان يساعده»، حتى أنه خصص جزءاً من دخله لسداد ثمن الأدوية والعلاج لعدد من الأهالي، في صيدلية أسفل عيادته بالقرية، حتي العمليات الجراحية كانت بأجور رمزية، وفي كثير من الأحيان كان يجري هذه العمليات بالمجان.
ولفت «سمير»، في تصريحات لـ«الوطن»، إلى أن الطبيب الراحل كان يخصص شهريات لعدد من الأرامل والمطلقات والأيتام والأسر الفقيرة، واعتبر أن وفاته تمثل خسارة كبيرة لأهالي قريته.
وقال «صبري شاهين»، من أبناء القرية، إن الدكتور أحمد شوقي وعائلته يتمتعون بحسن الخلق، فقد كان والده معروفاً بأعماله الخيرية، مشيراً إلى أن الطبيب الراحل سار على نفس نهج والده، حيث كان يصرف رواتب شهرية لعدد من الأرامل والفقراء، وكان شديد الأهتمام بالمرضى من أهالي قريته «ميت كنانة»، مسقط رأسه، وقرية «مرصفا»، مسقط رأس والدته.
وروى «صبري» أحد المواقف الإنسانية التي قام بها «طبيب الغلابة»، عندما جاءت سيدة مريضة إلى عيادته للكشف، لكن مساعدة الطبيب رفضت لاكتمال الحجز، فانتظرته المريضة على سلم العمارة، حتى جاء فأخذها من يدها وصعد بها إلى العيادة وقام بالكشف عليها، وقال لمساعدته: «أنا حاسس بيها»، مشيراً إلى أن سعر الكشف كان يتراوح بين 16 و20 جنيهاً، وفي كثير من الأحيان كان يطلب من مساعدته عدم تحصيل ثمن الكشف من المرضى غير القادرين، ويصرف لهم العلاج مجاناً، كما كان يخصص يوم الجمعة للكشف على جميع المرضى مجاناً، وأضاف أنه بوفاة الدكتور أحمد شوقي زغلول فقدت قرية «ميت كنانة» أحد أهم رموزها.
وبينما أوضح «ياسر عطا»، من الأهالي، أن آخر زيارة لطبيب الغلابة للقرية كانت منذ شهر، ورغم انتشار فيروس كورونا وكبر سنه، كان يأتي للكشف على مرضاه بالمجان يوم الجمعة، فقد اعتبر الدكتور عمرو الدخاخني، مدير مستشفى بنها الجامعي الجديد، وأحد تلامذة الطبيب الراحل، وابن قرية «ميت كنانة»، أن رحيله يمثل خسارة كبيرة لمحبيه من أهالي القرية، الذين اعتادوا منه عمل الخير دون تأخير، وهو ما انعكس في حالة الحزن الشديد، التي خيمت على الأهالي أثناء الجنازة.
وأوضح «الدخاخني» أنه كثيراً ما عرض على «طبيب الغلابة»، بينما كان شاباً، وكانت مدينة بنها بها العديد من الأراضي الفضاء، شراء الأبراج السكنية والمتاجرة في الأراضي، ولكنه كان يرفض بشدة في كل مرة، قائلاً إن «الطبيب يجب أن يترفع عن الكلام في الأموال، فمهنته لا تستطيع الجمع بين الأموال والطب»، كما كان يري أن السعر الرمزي للكشف، أو مجانيته، أقل شيء يمكن أن يقدمه للمرضى، حتى يشعر بقيمة مهنته، وكان يشعر بسعادة بالغة، عندما يرى مريضاً يتحسن على يده، بينما يكون في قمة تعاسته، عندما يثقل الألم أحد المرضى ويجد نفسه عاجزاً عن مساعدته.
وقال الدكتور مصطفي رزق، الأستاذ بكلية طب بنها والجراح الشهير، والذي كان رفيق الدرب العلمي والعملي لـ«طبيب الغلابة»، إنهما تعرفا على بعضهما منذ أكثر من 40 سنة، كان فيها الفقيد الراحل أستاذ جراحة من الفائقين، وحب الناس له كان يفوق الوصف، وأضاف: «ما شهدته اليوم في جنارته لم أكن اتخيله، فقد كان رمزا للخير بالفعل، ونشهد له بالكفاءة والخلق علمياً وعملياً، وعمره في قسم الجراحة في الكلية، وخلال عمله كوكيل لطب بنها، ومدير للاستقبال بمستشفى بنها الجامعي، لم يتسبب في زعل أحد، ولم يشتكي منه أحد طوال عمله، ولا نملك إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، وندعو له بالرحمة والمغفرة، وأن ويجعل خيره في ميزان حسناته».
وأعلن مستشفى بنها الجامعي، في وقت سابق من مساء أمس، وفاة الدكتور أحمد شوقي زغلول، أستاذ الجراحة العامة، ووكيل كلية الطب الأسبق، متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، ونعى كل من الدكتور مصطفى القاضي، رئيس مجلس إدارة مستشفيات جامعة بنها، وعميد كلية الطب ببنها، ووكلاء الكلية، ومديري المستشفيات، وأعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة، الطبيب الراحل.