دينا عبدالفتاح تكتب:.. أثرياء الأزمات!
دينا عبدالفتاح
فى كل أزمة هناك خاسر ورابح.. هناك من تحمل تداعياتها وخسائرها وهناك من استثمر الأزمة فى تحقيق عوائد وأرباح.
الأمر يكمن فى مصطلح «المرونة» أو مدى قدرتك على التأقلم مع المتغيرات وتوجيه دفة الأمور دائماً لصالحك أو لصالح مشروعك أو أسرتك.
فهناك دائماً أشخاص يمتازون بدرجة عالية من المرونة وقدرة فائقة فى التعامل مع المتغيرات والنظر الدائم إلى الجانب المضىء فى الأزمة، متمثلاً فى الفرصة التى يمكن أن تتولد منها ويمكن أن تؤدى إلى مزيد من الأرباح.. مزيد من التقدم.. مزيد من الشهرة.
هؤلاء أشخاص يرفضون من حيث المبدأ فكرة الخسارة حتى ولو خسر الجميع.. يبحثون دائماً عن الأمل حتى لو بداخل اليأس.. يسعون خلف شعاع النور ويعبرون دروب الظلام.
هؤلاء تراهم يملكون المال فى أحلك الظروف.. ويتحدثون عن التفاؤل عندما ييأس الجميع.. هؤلاء هم من استثمروا فى أزمة كورونا وحققوا المكاسب.. حولوا مصانعهم إلى خطوط لإنتاج أدوات الرعاية الصحية بسرعة الصاروخ.. وأطلقوا شركات عملاقة للتجارة فى الأدوية.. وسارعوا فى تمويل المراكز البحثية للوصول إلى لقاح كورونا.. هم من أوقف صناعة الملابس الجاهزة بشكل مؤقت وحول الماكينات لصناعة الكمامة القماش، وحولوا المصانع الكيماوية فى لمح البصر لإنتاج المطهرات والكحول المبيد للفيروس.
هم من أنتج العديد من التطبيقات لتيسير حصول الأفراد على جميع السلع والخدمات فى منازلهم، مستغلين فترة العزل المنزلى، وهم أيضاً من عزز من كفاءة التكنولوجيا فى المصارف لاستغلال الأزمة فى تعزيز المعاملات الإلكترونية ومواجهة فروع الصيرفة التقليدية، هم من وجهوا استثمارات ضخمة لإنتاج المزيد من تطبيقات الألعاب الإلكترونية فى وقت قياسى لاستغلال زيادة الطلب على الترفيه وقت مكوث الناس فى منازلهم خوفاً من الفيروس وتطبيقاً لإجراءات العزل.
هؤلاء أيضاً هم من توجهوا لشراء الأسهم فى البورصات العالمية بعد التأكد من قرب إطلاق لقاح فعال للفيروس، وهم أيضاً من بادروا ببيعها عند علمهم بقرب الموجة الثانية من الجائحة.
تلك هى الشريحة الرابحة دائماً.. فهم يملكون وعياً كبيراً.. وسرعة فائقة فى اتخاذ القرار.. وقدرة عالية على مواجهة التحديات.
هؤلاء نحتاج إليهم بشدة فى اقتصادنا، فلعلك تتصور أن عدداً بسيطاً من هؤلاء يمكن أن يقود دولة للتقدم والازدهار.. ويقود شعباً إلى الثراء.. باعتبارهم عقليات فذة نادراً ما تجدها.
ولو اتجهت لتحليل طبيعتهم الشخصية، وأسباب قدرتهم الفائقة فى صناعة الفارق، فستجد أن هذه الأسباب تنقسم إلى قسمين؛ الأول أسباب تتعلق بطبيعة الشخصية والتكوين العقلى لهؤلاء الأشخاص وذكائهم الحاد، والثانى أسباب ترتبط بعامل الخبرة، وتراكم المعرفة على مدار السنوات الطويلة، ومرورهم بنفس هذه المواقف من قبل، واتخاذ التجارب السابقة بمثابة مرشد رئيسى للنجاح فى المستقبل.
فى مصر لدينا البعض من هؤلاء ولكنهم ليسوا كُثراً، وليسوا بحجم القدرة والمغامرة التى يمتلكها «أثرياء الأزمات» فى الخارج.
نوع آخر من أثرياء الأزمات لا نرغب فى أن نراه، بالرغم من وجوده بكثرة فى مصر والدول العربية والنامية بشكل عام، فهم تفننوا فى بناء ثرواتهم فى أوقات الأزمات ولكن للأسف تبنى دائماً هذه الثروات على أنقاض الفقراء والضعفاء، وعلى حساب مصلحة الدولة نفسها.
فهؤلاء تلاحظهم عندما تختفى السلع من السوق ويحتكرها البعض ويعيد عرضها بأسعار مرتفعة، وتراهم عندما يستغلون حاجة الأشخاص لسلعة أو خدمة معينة ويرفعون مقابلها إلى الأضعاف.. وهؤلاء من وجهة نظرى لا يجوز أن نطلق عليهم «أثرياء أزمات» ولكن علينا أن نصفهم بـ«مجرمى الأزمات» ولا بد أن يتتبعهم الجميع وتتعقبهم الدولة وتضرب بيد من حديد على مخالفاتهم حتى يكونوا عبرة لمن يريد بناء ثروة على أنقاض الفقراء.