كانت لقطات لاعب خط الوسط الدنماركى كريستيان إريكسن وهو ينهار على أرض الملعب يوم السبت الماضى ثم يأتى الفريق الطبى لإنقاذه بالضغط على صدره بينما كان ينظر الجمهور مذهولاً فى ملعب باركين بكوبنهاجن، واللاعبون يبكون بحرقة، ويتجمعون حوله فى حلقة لمنع نقل المشهد إلى الشاشات وإلى أسرته ومحبيه، كل تفاصيل المشهد كانت صادمة، وقد قيل إن اللاعب كان «مستيقظاً» وهو يُنقل على وجه السرعة إلى المستشفى، حيث استقرت حالته مساء السبت، أى أن الإنقاذ الحقيقى تم على أرض الملعب وليس فى المستشفى، وهذا يعلمنا دروساً كثيرة عن أهمية الفريق الطبى، أهمية الطبيب والمسعف والمدلك والعلاج الطبيعى، أن تكون شنطة الإسعاف شاملة وبمثابة كلينيك متنقلة، فنحن لم نجد شاشاً وقطناً فقط لكننا وجدنا كل شىء فى حوزة الطبيب الفاهم، حتى جهاز الصدمات لإنعاش القلب موجود، الأهم هو الثقافة الطبية لدى اللاعبين، كيف وضعوه على جنبه بحيث لا يبتلع لسانه، كيف استوعبوا بسرعة أنها ليست سقطة عادية نتيجة التحام أو إجهاد عابر، دروس كثيرة نستخلصها ويجب أن تتعلم منها أنديتنا الرياضية، وحتى الآن لم يُعرف بعد سبب انهيار إريكسن وتوقف قلبه بدقة وتحديد، لكنها ليست المرة الأولى التى تشهد فيها كرة القدم مثل هذه المشاهد، فما زال الكثيرون يتذكرون انهيار نجم بولتون واندرارز «فابريس موامبا» فى عام 2012، اللاعبان كانا فى ذروتهما الجسدية دون أى علامات على وجود خطر خفى ويتعرضان لفحوصات شبه أسبوعية للاطمئنان! إذن ما الذى يمكن أن يؤدى إلى سكتة قلبية مفاجئة لدى الرجال والنساء الرياضيين الأصحاء وهم فى قمة اللياقة البدنية؟
أجاب الدكتور ريتشارد تيل، استشارى فى الفسيولوجيا الكهربية للقلب فى قسم مستشفيات نورفولك ونورويتش المتخصص فى النشاط الكهربائى للقلب، وقال فى حواره لصحيفة الإندبندنت: «إن ما حدث لكريستيان إريكسن كان نادراً ومن المرجح أن الإنعاش القلبى الرئوى السريع الذى حصل عليه داخل الملعب هو الذى ساعد فى إنقاذ حياة اللاعب»، وقال: «إن السكتة القلبية المفاجئة لا تشبه النوبة القلبية الناجمة عن مرض الشريان التاجى وانسداده، وهو المكان الذى تسد فيه الرواسب الدهنية الشرايين المغذية للقلب، مما يؤدى إلى موت عضلة القلب، مما قد يوقف ضخ الدم من القلب».
وقال أيضاً: «من غير المرجح أن يكون هذا هو السبب، والأرجح أنه يعانى من عيب خلقى لم يتم اكتشافه حتى الآن».
وأضاف «تيل» أن الأسباب الأخرى للسكتة القلبية المفاجئة يمكن أن تشمل حالة تُعرف باسم اعتلال عضلة القلب المتضخم التى يمكن أن تتسبب فى زيادة سُمك عضلة القلب وتجعل ضخ الدم أكثر صعوبة، ومن الممكن أيضاً أن يكون إريكسن مصاباً بعدوى فيروسية أدت إلى التهاب عضلة القلب.
وأضاف المتخصص فى فسيولوجية القلب وكهربائه السحرية أنه يمكن ربط الأسباب الأخرى للسكتة القلبية بخلل كهربة القلب فى الإشارات التى تحفز أقسام أو حجرات القلب المختلفة على ضخ الدم فى تناغم، هذا يمكن أن يؤدى إلى إيقاع غير طبيعى، مما يقلل من تدفق الدم من القلب إلى أعضاء مثل الدماغ ويؤدى إلى هذا الانهيار، وتلك الحالة إحدى الحالات المعروفة باسم متلازمة بروجادا هى حالة وراثية، ويمكن أن تؤثر أيضاً حالة وراثية أخرى مماثلة تُعرف باسم متلازمة «كيو تى الطويلة» على إيقاع دقات ونبضات القلب.
قال الدكتور تيل إن هذه يمكن أن تكون متقطعة، ومن المحتمل أن تفوّتها رسوم القلب (ECG) والمسح بالموجات فوق الصوتية التى تُعد تقييمات صحية شائعة للاعبى كرة القدم المحترفين والرياضيين الآخرين.
وأضاف: «المفتاح هو الحفاظ على تدفق الأكسجين والدم إلى الدماغ من خلال الضغط على الصدر، وأنا أفهم أن كريستيان إريكسن تلقى إنعاشاً قلبياً رئوياً سريعاً على أرض الملعب. كان من الممكن توصيله بجهاز إزالة الرجفان الذى يفحص ضربات قلبه ويصدم القلب لإعادته إلى الإيقاع الطبيعى إذا كان ذلك مناسباً، وهو ما أتوقع أنه قد حدث».
«هذا أمر نادر جداً جداً بالنسبة لشخص فى هذا المجال المهنى، وهو أكثر شيوعاً فى ألعاب القوى للهواة والأشخاص الذين يُجرون سباقات الماراثون لأول مرة، على سبيل المثال، ولكن مرة أخرى لا يزال نادراً».
وقال: «من المحتمل أن شبابه ولياقته ساعدا دماغه على البقاء حتى بدأوا الإنعاش القلبى الرئوى».
وأكد أن الإنعاش القلبى الرئوى السريع أمر بالغ الأهمية، مضيفاً: «إنها مهارة يجب أن يعرفها الجميع. هذا حدث علنى جداً لشىء نادر جداً فى الواقع. لا ينبغى أن يُمنع أى شخص من ممارسة الرياضة، ويجب أن يشجع الجميع على تعلم الإنعاش القلبى الرئوى، إنها حقاً مهارة تنقذ الأرواح».