هنا «حياة كريمة».. الدولة وفرت للكبار بلا مأوى الدعم والرعاية الصحية من التشــرد لـ«بيوت آمنة»
هنا «حياة كريمة»
يهيمون فى الشوارع والميادين.. لا يدرون إلى أين هم ذاهبون ولا متى يعودون؟ يبحثون عن مأوى لهم أسفل الكبارى وأعلى الأرصفة وفى الحدائق العامة، ليتخذوها ملجأ لهم، هذه هى حالة المشردين من الكبار بلا مأوى فى الشوارع. الدولة ممثلة فى وزارة التضامن الاجتماعى لم تقف مكتوفة الأيدى، فقد عملت على توفير دور رعاية لإيوائهم، والبحث عنهم فى الشوارع والميادين، لإيداعم بدور الرعاية بدلاً من مكثوهم فى الشوارع، وتوفير كل سبل الدعم والرعاية الصحية لهم، وبالمجان.
فبمجرد أن تطأ قدماك دار الرعاية لإيواء الكبار بلا مأوى، تجد منهم من يقرأ ومنهم من هو شارد ومنهم من يجلس على كرسى متحرك لا حول له ولا قوة، تظنهم لوهلة أنهم أسرة واحدة رغم أنهم لا تجمعهم صلة دم أو نسب، إلا أن قسوة الحياة جمعتهم تحت سقف واحد. يتبادلون الحديث والضحك والهزار وحتى حكاياتهم المأساوية، لم يجدوا من يؤويهم سوى دور رعاية وزارة التضامن التى كانت بمثابة الظهر والسند ليعيشوا حياة كريمة وإنسانية. وزارة التضامن أكدت أنه تم التعامل مع أكثر من 8 آلاف و688 من الكبار فى وضعية الشارع (بلا مأوى، متسول، مريض نفسى، أو عقلى)، حيث يتم تقديم خدمات متنوعة للأشخاص بلا مأوى تشتمل على خدمات صحية وتعليمية ووجبات وبطاطين ودعم نفسى واجتماعى من خلال 17 وحدة متنقلة و19 مؤسسة تم تطويرها خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
«خالد»: زوجتي أجبرتني على التنازل عن منزلي.. فلم أجد سوى الشارع
انهمرت دموعه، وقال بصوت متهدج، رداً على سؤالنا عن اسمه: اسمى خالد محمد، من مواليد الشرابية، عندى 56 سنة، ثم صمت قليلاً ليتابع حديثه: «كنت أعمل خبازاً، فى فرن تركه لى والدى، حتى قررت السفر إلى الإسكندرية، للعمل هناك ثم تزوجت أيضاً هناك، وكنت حريصاً على التركيز فى عملى حتى اشتريت منزلاً كاملاً، مكثت به لمدة 15 سنة، حتى طمعت زوجتى فى المنزل، وقررت التدبير لاختطافى، بمساعدة أهلها».
وقال إنه أثناء عودته ذات ليلة إلى المنزل لم يجد أحداً بالداخل فاتصل على زوجته، فأخبرته أنها تزور شقيقتها التى مرضت فجأة، فتوجه إلى منزل الأخت، حتى اكتشف أن أختها ليست مريضة وأنها ادعت الكذب، وأضاف: «كتفتنى فى كرسى 3 أيام، إلى جانب الضرب والإهانة ومنعت عنى الأنسولين الذى آخذه بسبب مرض السكر ما تسبب فى إصابتى بالإعياء، وكل ذلك من أجل التنازل عن المنزل لها»، مشيراً إلى أن «أحد الموجودين من أهلها اقترح كتابة المنزل باسم بناتها، مؤكداً أنه لم يجد أمامه حلاً سوى التنازل والموافقة».
شقيقي رفض زيارتي
وتابع «خالد»: «تركت الإسكندرية وذهبت للإسماعيلية، حتى أنهكنى المرض، فلم أجد سوى إخوتى، لجأت لأحدهم حيث يعمل فى بنك وحالته متيسرة، فلم يوافق على استضافتى، ثم توجهت إلى أخى الثانى الذى يعمل فى إحدى شركات النقل الخاصة فرفض أيضاً، ولم يستقبلنى أى من إخوتى، فاضطررت إلى اللجوء للشارع، بعدما أُغلقت فى وجهى كل الأبواب، وأثناء مرورى فى الشارع اصطدمت بسيارة وتم نقلى لمستشفى المنيل الجامعى، وقالوا لى رِجلك محتاجة عمليتين».
وقال إنه جلس فى الشارع 15 يوماً بعد إجراء العملية، حتى وجدته فتاة مارة بالشارع وطلب منها مساعدته فى إيجاد سكن له، مؤكداً أنها وعدته بحل واتصلت بمؤسسة «معانا لإنقاذ إنسان»، التى أرسلت على الفور فريق إنقاذ وتم نقله إلى الدار وإجراء التحاليل الطبية له، للتأكد من خلوه من أى مرض مُعدٍ، ثم تم تغيير ملابسه، وبدء تأهيله اجتماعياً ونفسياً.
بنتي قالت لي «انت فين يا بابا افتكرتك مت»
وأشار «خالد» إلى أن بناته لا يعرفن عنه شيئاً منذ 3 شهور، وأنه اتصل منذ عدة أيام بابنته الكبرى، حتى تفاجأت بصوته وقالت له: «كنت فين يا بابا أنا افتكرتك مت»، مشيراً إلى أنها أكدت له أنها خرجت من المدرسة بعد تركه المنزل، وعملت فى أحد مصانع الملابس، لافتاً إلى أنها وعدته بتدبير سكن له ونقله فيه بعيداً عن والدتها، وأن طليقته دائمة الزواج، ولن تسمح له بالعودة للعيش مع بناته.
دار الرعاية هي بر الأمان
وأكد «خالد» أن دار الرعاية هى بر أمان التائهين بلا مأوى فى الشارع، والذين أجبرتهم الظروف على العيش على أرصفة الطرقات، أو أسفل الكبارى، أو الذين عانوا من جحود الأبناء، مشيراً إلى أنه يأخذ العلاج بانتظام، ويتم تغيير ملابسه بشكل يومى، ويمشى حالياً على مشاية ويُجرى جلسات العلاج الطبيعى حتى يشفى تماماً ويستطيع الوقوف على قدميه مرة أخرى، مؤكداً أن الدار تعمل على تلبية كل احتياجات الموجودين بها، قائلاً: «طلبت من المشرفة الاتصال بأخى وأنا فى حالة انهيار تام، وقالت له أخوك قفل السكة فى وشّى، ولم يفكر فى زيارتك».