18 ساعة أشغال لـ«صالحة» على «التوك توك» يوميا.. رزقي ورزق أولادي
صالحة الشحات ام زياد سواقة التوك توك
تستيقظ صالحة الشحات، الشهيرة بـ«أم زياد»، 34 عاماً، في الثالثة فجر كل يوم، تبدل ثيابها وتستقل الـ«التوك توك»، الخاص بها، ساعية لكسب قوت يومها للمساعدة في الإنفاق على أسرتها، لم تخف ولم تهتز بعدما أجبرتها ظروف الحياة الصعبة للخروج إلى العمل بعدم تعرض زوجها لصدمة أفقدته القدرة على العمل الشاق بعد غرق طفلها منذ عام ونصف، فكانت هي الضلع الأقوى في أسرتها، تحملت المشقة وأصبحت أول سائقة توك توك، بمدينة الحامول التابعة لمحافظة كفر الشيخ.
18 ساعة أشغال شاقة، تبدا من الثالثة فجرا وحتى التاسعة مساءً، تقضيها «أم زياد»، متجولة بشوارع المدينة وطرقها خلال عملها كسائقة توك توك، تنتقي زبونها حتى لاتتعرض لمضايقات، ومع بدء العام الدراسي الجديد، فتح الله لها باب رزق جديد، حيث تقوم بتوصيل مجموعة من التلاميذ إلى مدارسهم، فتقضي نحو ساعتين في توصيل التلاميذ، ثم تجوب الشوارع بحثا عن زبون: «الحمدلله ربنا حملني المسئولية لأني قدها، كنت باشتغل أساعد جوزي من حوالي 3 سنين، لكن ساعات قليلة وناس أعرفها، لكن من حوالي سنة ونصف ابني غرق فجوزي تعرض لصدمة شديدة أفقدته القدرة على العمل على الحفارات والجرارات، فتحملت أنا مسئولية الإنفاق على أسرتي»، تقولها أم زياد.
سائقة التوك توك: «اشتريته بالتقسيط»
صعوبات كثيرة واجهتها السيدة الثلاثينية قبل شراء التوك توك، أبرزها عدم توافر سيولة مالية للشراء ما اضطرها لبيع ما تملك من مصوغات ذهبية احتفظت بها لبيعها عند الحاجة: «كان معايا حتتين دهب شايلاهم للزمن، فبعتهم علشان اشتري توك توك أقدر أصرف على ولادي، ودفعناهم كمقدم واشترينا التوك توك، وبدأت شغل عليه، والحمدلله ربنا بيراضينا منه، وعلى قدر المستطاع ألبي جزء كبير من احتياجات اطفالي الـ3، وزوجي، وعايشين على قدنا علشان الحياة صعبة ومعندناش مصدر رزق غيره، ومعاش تكافل وكرامة، ولسة بسدد أقساط التوك توك وربنا بيعين».
خجل شديد انتاب الزوجة التي لقبها الأهالي بـ«أم زياد»، بأنها بـ100 راجل، في أول أيام عملها منذ سنوات، لكنها تغلبت على خجلها بالإرادة وتشجيع زوجها وزبائنها، كما تغلبت على خوفها من تلك المهنة المحفوفة بالمخاطر لأجل توفير نفقات أسرتها: «كنت خجلانة أول ما نزلت الشارع كده بالتوك توك، لأن الحامول فيها مئات التكاتك بيقودها صبية وشباب ورجال كبيرة، فقولت هتعامل إزاي، لكن الناس شجعوني وجوزي دعمني وقالي هتنجحي ومفيش فرق بين الراجل والست، انت تقدر تفرض نفسك في أي شغلانة طالما حلال ومبتمدش إيدك لحد».
«أم زياد» تعرضت لمضايقات: «قابتلها بابتسامة والناس دعمتني»
مضايقات كثيرة تتعرض لها «أم زياد»، خلال يومها الطويل، لكنها اعتادت على تخطيها بالابتسامة تارة والضجر تارة آخرى: «تعرضت لتنمر ومضايقات من بعض الشباب، يعنى بحكم إننا محافظة ريفية مش متعودين الست تشتغل في المهن دي، لكن كنت بواجه المضايقات دي بابتسامة وعدم الرد، إلا بعض ممن يستدعي الرد، يعني أتذكر في مرة ضربت شاب، لأنه اعتدى عليا لفظياً، والناس وقفوا في صفي علشان هو اللي كان غلطان، لكن بلاقي دعم كبير من الناس علشان دا رزقي ورزق عيالي».
لم تتخل «صالحة»، عن أنوثتها ولم تتنكر في زي رجال لتستطيع العيش بين مئات الشباب في الشارع، بل تخرج كل يوم بملابس أنيقة لإيمانها أنها لابد أن تواجه الصعوبات بالإرادة وليس بالتنكر: «بلبس ملابسي العادية جيبة وبلوزة أو عباية أو بنطلون وبلوزة طويلة، وبحط مكياج، أنا في الأخر سيدة مش راجل وبرفض فكرة إني اتنكر في زي راجل علشان أقدر أواجه، كل إنسان يقدر يواجه الصعوبات بالإرادة والعزيمة، وبشخصيته القوية، وفي شباب كانوا بيضايقوني علشان بضع ميك أب على وجهي لكن اتعلمت أوقف كل شخص عند حده».
تنتقي «أم زياد»، زبونها بعناية حتى لا تتعرض لمضايقات، كما أنها تحاول التوفيق بين القيام بواجباتها كأم وبين عملها كمسئولة عن أسرة: «بحاول أنقي الزبون علشان متعرضش لمضايقات، الزبون الكويس بيبقى باين عليه، ومش بركب أي حد، وبحاول أوازن بين واجباتي كأم لـ3 أطفال، وبين عملي كمسئولة عن أسرة بدعم زوجي، المهمة صعبة لكن علمت أطفالي يتحملوا مسئولية الطبيخ والغسيل، لأن أنا اليوم معاهم بكرة الله أعلم مش معاهم».
الزوجة: «نفسي في بيت يسترني أنا وولادي»
لا تتمنى الزوجة الثلاثينية سوى منزل يستر أسرتها ويقيها من تهديد إزالة المنزل الذي تقيم فيه: «نفسي في بيت يأويني أنا وعيالي، أنا عايشة في بيت غير آدمي ومنتظرة إزالته في أي لحظة لأنه مخالف، ونفسي في وظيفة أو دخل ثابت علشان أطمن على عيالي وآمن مستقبلهم، صدمة ابني اللي توفى خلتني عايشة في رعب».