اتكلم براحتك.. خطط المستقبل والقدرة على تصحيح المسار
أرشيفية
كانت خطواتي الأولى تجاه التعليم بطيئة وثقيلة، كنت أشعر بالضيق لطول المسافة بين المنزل والمدرسة، أسير عبر الخطوط الوهمية التي تفصل بين ملكيات الأراضي الزراعية، تنغرس قدماي في الطين مرة أو تنزلق في مياه الترع أحياناً، لكنني تعلمت بمرور الوقت كيف أقطع الطريق دون أن يتأذى حذائي.
في مرحلة التعليم الإعدادي أدركت أن الوقوف في طابور المدرسة أخف من الوقوف في طابور عمال التراحيل، والجلوس داخل الفصل الدراسي أفضل وسيلة للهروب من الانحناء في الحقول، وإمساك الكتاب وقت المذاكرة أفضل من الإمساك بالفأس، وصعوبات النجاح الدراسي لا تساوى شيئاً أمام قسوة أعباء العمال.. سواء في المعمار أو الأسواق التجارية.
التحقت بالتعليم الأزهري، وهو أمر لو تعلمون عظيم، لكنه لم يمنحني الأفضلية المتوقعة داخل المجتمعات الريفية، ربما لأنني التحقت بالعمل في طائفة المعمار وقت التحاقي بكلية أصول الدين والدعوة، وربما لأن الزى الأزهري لم يعد له نفس البريق الذى يعتقد فيه والدى، ولم يعد من يرتدونه غارقين فيما لذ وطاب كما كانت تردد أمي، لكن المؤكد أن حياتي لم تشهد أي تغيير خلال سنوات دراستي الجامعية.
خططت لأن أعيش في القاهرة في المرحلة الجامعية، لكن مكتب التنسيق أرغمني على البقاء في مكاني، لألتحق بأقدم فروع كلية أصول الدين والدعوة فرع أسيوط، الذى أنشئ عام 1969 وقت أن كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يحلم بتحويل المحافظة لعاصمة بديلة للدولة المصرية، ووقتها شهدت المدينة تحولات كثيرة، لكن برحيل صاحب الحلم تحولت إلى «المدينة التي رقصت على سلالم التطور»، لا هي تشبه مجتمع العواصم مثل القاهرة والإسكندرية، ولا هي تشبه مدن الصعيد الذى تتوسط محافظاته.
اجتهدت في دراستي الجامعية بقدر رغبتي في مغادرة عالم العمال، كنت أوازن بين احتياجي للعمل ورغبتي في التفرغ لحلمي الوحيد، كانت الشهادة هي السلاح الذى انتظرت أن أشهره في وجه الجميع، والتخرج هو المناسبة الوحيدة التي سأحتفل بها، وقتها لن أكون مضطراً لتحمل سخافات ملاحظي العمال أو تلبية رغبات المقاولين المهمومين بأرباحهم حتي لو جاءت على حساب من يعملون لديهم، الشهادة الجامعية هي من ستجعل كل هؤلاء ينتبهون أنهم كانوا يقفون في حضرة شخص لم يمنحوه القدر الذى يستحقه.
كانت أسوار الجامعة بالنسبة لى هي الحد الفاصل بين عالمين متوازيين، أدخلها بنشاط وزهو من ينتظره مستقبل مشرق، وأخرج منها متثاقلاً بفعل ما ينتظرني من معاناة في عنبر العمال، لكن بمرور الوقت اعتدت التعايش مع كلا العالمين.. وما يفرضانه من شعور داخلي، وتمكنت من توزيع وقتي وجهدي ما بين الدراسة والعمل، بالقدر الذى يقربني من تحقيق حلمي، ويمنحني الدافع لأن أعيش حياة واحدة وفي عالم واحد. تخرجت عام ٢٠١٦ وكان تقديري «جيد جداً» مع مرتبة الشرف، وفي الحالات العادية يمكن اعتبارها نتيجة رائعة، لكن في حالتي كانت باهتة مثل سنوات عمرى، فترتيبى بين خريجى القسم كان رقم 3، وترتيبى وفق حصر المجاميع الأعلى على مستوى الكلية خارج قائمة الـ٢٠ الأوائل، وهو ما يعني أنني فقدت أى ميزة محتملة تتعلق بمجموع درجات التخرج على مستوى القسم والكلية، وأصبحت مجرد رقم لا يختلف مصيره عمن نجح وحصل على الليسانس بأقل مجموع درجات.
أعرف أنه لا مجال لتغيير ما حدث، ذاكرت وتعبت واجتهدت، لكن النتيجة حبستني في دائرة رقم ٣ الذى لم يغير من حياتي شيئاً، لم أحصل على وظيفة في القطاع العام أو الخاص، ولم أجد فرصة في أي شركة، وما زلت أعمل في المعمار، يغمرني من وقت لآخر إحساس بالضيق لما آلت له الأمور، كيف لكل هذه السنوات الدراسية ألا تغير شيئاً؟ لكنها إرادة الله.. أتقبلها راضياً وأنتظر أن يأتي بعد الضيق فرج.
أحمد الأمير
خريج كلية أصول الدين والدعوة
الرد
يا صديقي.. اختبرت الشعور الذى يتملكك الآن، أعرفه جيداً.. لأنني ابن مدينة لا تبعد عن محافظتك سوى خطوات، نشأت في الأجواء ذاتها، عملت في الحقول والمعمار والتجارة خلال سنوات دراستي، مع فارق أنني لم أتمكن من الالتحاق بالأزهر الشريف كما أراد والدى، لكن الفارق الأهم بيننا أنني اخترت الكلية التي تضعني على أعتاب مهنتي المستقبلية، وخضت رحلة البحث عن أصول هذه المهنة لدى أصحابها، فأدركت أن الشهادة محطة عبور.. وليست غاية. يا صديقي.. ليس هكذا تورد الأحلام، أردت الهروب من قسوة حياة البسطاء، لكنك سرت في اتجاه «بلد بتاعة شهادات»، وتناسيت أن المجتمع غادر مرحلة الستينات، دخلت سباق الحصول على شهادة تؤهلك للانتقال إلى عالم الأفندية الذى لم يعد له وجود، كان عليك أن تلتفت للتغيرات التي طرأت على العالم الذى ترغب في القفز إليه، كان عليك أن تطور أدواتك وتبحث عن مهارات مهنتك المستقبلية.. لتحصل على الشهادة النظرية والأفضلية العملية. يا صديقي.. لا تستسلم لإحساس الهزيمة، والسنوات التي ضاعت، بإمكانك أن تعوض ما فات أو تضيع ما هو أكثر، عليك أن تعدل بوصلة أهدافك، بإمكانك الحصول على دبلومة تربوي لمدة عام من كلية التربية بأي جامعة حكومية، تؤهلك للتدريس في المؤسسات الأزهرية، وبإمكانك أن تطرق أبواب التأهيل لدخول مجال الدعوة إن كنت راغباً في تحمل هذا العبء، والأهم من كل ذلك.. أن تؤمن بقدرتك على أن تصبح مقاولاً ناجحاً، يستطيع أن يخطط وينفذ ويصنع أحلامه.. ويعين من يعملون معه على تحقيق أحلامهم.
سيد المليجي
-------------------------------------------------------
بالتأكيد يصلنا صوتك حني تتكلم أو تشكو أو تعترض.. ربما تحتاج أن تأخذ القرار.. أن تتكلم بالفعل.. تبوح وتفضفض، وتفتح قلبك لتزيح عنه ما يجثم عليه فيتعبك، ويحرمك من الاستمتاع باللحظات الحلوة.. ضع حملك الذى أنقض ظهرك.. ً في الفضاء الواسع.. دورنا هو أن نأخذ بيدك لتتجاوز المطبات، وتعبر بر الأمان، واترك لروحك العنان حتي تحلق خفيفةً أن ّر دائما وحتي لو تعثرت وسقطت، فواجبنا أن نساعدك على النهوض نافضني عن ثوبك كل ما علق به من الأتربة.. وتذكر العمر قصير، والسنوات كالثيران الهائجة.. تنطلق بال توقف، فعشها كما ينبغي، وكما تريد أنت، ال كما يريد لك الآخرون.
أرسلوا إلينا آراءكم ومشاكلكم على البريد الإلكتروني: com.elwatannews@elwatan.bareed أو على عنوان جريدة «الوطن»: 16 ش مصدق - الدقي