نجل خضر التوني بعد 66 عاما على رحيله: كان يفوز بالبطولات قبل أن تبدأ (حوار)
البطل خضر التوني
66 عامًا مرت على رحيله، إلا أنَّه ما زال علامة رياضية مصرية لها بريق لم يقترب منه أحد، ووضع اسمه على رأس قائمة من الرياضيين في العالم كله، ليصبح رمزًا في عصره.
خضر التوني، رافع الأثقال الذي لا يشق له غبار، والمتفرد في كل شيء، والأسطورة التي صفقت لها دول وتمنت حكومات أن يكون من أبنائها. «الوطن» حاورت نجله اللواء شكري خضر التوني، في ذكرى وفاته التي توافق سبتمبر من كل عام. وإلى نص الحوار..
أين نشأ خضر التوني؟
والدي نشأ بالقاهرة في منطقة بولاق أبو العلا، وكان يسير يوميًا من منزله إلى نادي الترسانة الذي كان يتدرب فيه، وعاش فيه أغلب عمره، وختم حياته مدربًا به.
حدثنا عن خضر التوني الإنسان بعيدًا عن البطل الرياضي؟
والدي توفى وعمره 43 سنة، وتغيرت حياة أسرتنا تمامًا، فترك بنتين و6 أبناء، وكان أكبر إخوتي في الصف الثالث الإعدادي وأنا في الثالث الابتدائي وأصغر الأبناء عمره 3 سنوات، وكان يعمل مفتشًا في وزارة التربية والتعليم، والمستشار الرياضي للوزير، وكان صارمًا جدًا في حياته، ويأخذنا يوم الخميس من كل أسبوع إلى نادي الترسانة لمشاهدة التدريبات.
ومن المفارقات أنَّه مات يوم الخميس قبل أن يأخذنا معه إلى النادي، «كانت فسحة ويقول اللي هيذاكر كويس هاخده النادي يوم الخميس، وكان واضع قانون للبيت كله، إننا نخلص مدرسة ونروح ناكل وننام ونصحى نذاكر».
كان صارمًا ويحمل في طياته حنان الأب، والمرة الوحيدة التي أتذكر أنَّه ضرب أحد منا عندما ضرب أخي لتقاعسه عن الصلاة، كما كان صارمًا للغاية مع اللاعبين أثناء تدريبهم، وكان لا يقبل أي هفوة من أحدهم، «كان دايما يقول هين نفسك في التدريب».
هل كرم التكريم المناسب؟
استدعاه الملك فاروق سنة 1951 بعد الحصول على بطولة العالم، ومنحه نوط الرياضة من الدرجة الأولى، وألف جنيه نقدا، وكانت مبلغا كبيرا حينها، استطعنا بهذا المبلغ أن نبني بيتا كبيرا في حلوان.
عندما توفى لم يكن له معاش لقلة عدد سنوات الخدمة، وكان كمال الدين حسين حينها وزيرا للتربية والتعليم، فأمر بمعاش استثنائي له، وأصدَر الرئيس جمال عبدالناصر قرارًا جمهوريًا بتعليم جميع أبناء خضر التوني بجميع المراحل التعليمية بالمجان، لعدم استطاعتنا حينها أن ندفع مصروفات الدراسة البسيطة، «رغم إن كان فيه قرار بمجانية التعليم للجميع، لكن كان فيه رسوم منقدرش ندفعها».
وفي السبعينيات توجهت لنادي المعادي لعمل اشتراك به لأسرتي، وقابلت رئيس النادي، الذي أشار على صورة الرئيس أنور السادات وقال لي: «لو جالي مش عامله اشتراك»، فتوجهت إلى وزير الرياضة عبدالمنعم عمارة، وبمجرد إخباره أنني ابن خضر التوني، أخبرني أن له حكايات مع والدي، «قال إنه كان بيلعب في الخماسي الحديث وكان هو ووالدي في أوضه واحدة في البطولات»، وعندما أخبرته بطلبي، «قالي بكرا هيكون عندك الكارنيه في البيت وقد كان».
رأيت اسمه في لوحة الخالدين في لوس أنجلوس، وفي لوحة الخالدين في استاد برلين، وهناك شارع باسمه في مدينة العبور، ومسجد في مدينة الشروق، وشارع في مدينة نصر متفرع من شارع الطيران، وميدان في حلوان وشارع في كليوباترا.
كيف ترى نظرة الناس لأبناء التوني؟
نشعر بفخر لا يوصف فقد منحنا أبي مكانة لم نحلم بها، «كل الناس كانت عرفاه، وفي شبابنا كانت الناس بتشاور علينا وإحنا ماشيين».
كان العالم أجمع يتابع محمد علي كلاي ومبارياته، وصنع تاريخا للملاكمة، وفي زمن خضر التوني كان هو كلاي رفع الأثقال، «كانت الناس بتعلق صور خضر التوني في القهاوي ومحلات الملابس، ومكانته في البطولات كانت تعادل الخطيب وحسن شحاتة في زمنهم».
كيف كان يحترم رفع الأثقال؟
كان يحمل اللعبة على كاهله، فأيام الملكية حدثت مشكلة بخصوص سفر البعثة المصرية للمشاركة في إحدى البطولات، ورفضوا سفرهم فتوجه إلى الديوان الملكي حينها، وقابل رئيس الديوان بصفته كابتن فريق رفع الأثقال المصري، وقال له إنَّه سيعتزل اللعبة في حال إذا لم يحضر اللاعبون الأربعة البطولة وتعهد بفوزهم بـ4 ميداليات ذهبية وقد كان.
هل ورث الأحفاد هذه الرياضة؟
لا، فقد مات ونحن صغارا، فتوفى بعمر 43 سنة وكانت أمي بعمر 34 سنة، ولم تتزوج بعده، وكان همها كله أن نتعلم، فرفضت أي عروض لأي رياضة لأشقائي، «مدرب الأهلي كان عايز أخويا أسامة يلعب كرة في النادي الأهلي، فرفضت رفضا شديدا».
أنا لعبت مصارعة وحصلت على مركز ثاني ناشئين، لكن بعد 1967 توقف النشاط الرياضي في مصر واعتزلت قبل أن أبدأ للظروف المحيطة، وبسبب الحرب، وأصبحت بعد ذلك حكمًا دوليًا رفع أثقال.
ما سبب وفاة الوالد؟
كان واثقًا في قدراته وقوته أكثر من اللازم، وتوفى نتيجة الصعق بالكهرباء، إذ كان يقف في بركة مياه أثناء إصلاحه أحد أسلاك الكهرباء في المنزل، «الكهرباء حرقتله دراعه بالكامل ووصلت للقلب وتوفى قبل وصوله للمستشفى».
وكانت جنازته كبيرة للغاية، فأكبر جنازتين في مصر هما جنازة النحاس باشا وعبدالناصر، وأرى أن بعدهما جنازة خضر التوني، فميدان التحرير كان مغلقًا تمامًا، ورغم قلة عدد سكان القاهرة حينها عام 1956، امتلأت الشوارع، ومنزلنا امتلأ بالصحفيين ووكالات الأنباء والوزراء ومندوب عن الرئيس حينها.
كيف خلقت أسطورة خضر التوني؟
في الفرق بينه وبين منافسيه، «فالفروق حاليا بين الأول والثاني في رفع الأثقال تكون كيلوات طفيفة، لكن أبي حقق فرقًا بـ32 كيلو بينه وبين الثاني»، وهذا شيء إعجازي في هذه اللعبة.
فاثنان فقط على مدار التاريخ كانت تعرف نتيجة فوزهما قبل بداية البطولة، فريق الأحلام لكرة السلة الأمريكي، وخضر التوني، «قبل البطولة بيوم يتمّ تنظيم ما يعرف بالمؤتمر الفني، ويحضره مندوب من كل دولة ويحدد الوزن الذي سيبدأ به لاعبه، فلو حدد منافسه البدء بـ100 كيلوجرام، فيبدأ هو بأكثر من ذلك وأوقات كان يبدأ بـ180 كيلوجرامًا، وعندما ينتهي مجموع رفع الأثقال نجد أنه متفوق عنهم بنحو 30 كيلوجرامًا في المجموع، وسبب ذلك قتلا للمنافسة تماما، وكان هذا حافزا ضعيفا له، ولو كانت المنافسة شديدة كان من الممكن أن يتجاوز ما حقق من أرقام.