الشيخة الحمداوية تتصدر واجهة جوجل.. فمن هي أيقونة «العيطة» في المغرب؟
الشيخة الحمداوية
بصورة كاريكاتيرية لامرأة عجوز مرتدية نظارة وتضرب على دوف، احتفل محرك البحث جوجل بذكرى ميلاد الحاجة الحمداوية، وهي فنانة مغربية تجيد فن «العطية»، إذ شهدت المجد الذهبي للأغنية المغربية، وأمضت عمرها ممسكة بالدف وصدح صوتها عاليًا بالغناء منذ الاستعمار وبعد القضاء عليه، ولقبت بمطربة الملوك لكونها عاصرت عهد الملوك: محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس، وغنت أمام ملوك وأميرات في مسارح وقصور في المغرب العربي.
جوجل يحتفى بذكرى ميلاد الحمداوية
ولدت الحمداوية عام 1930 ونشأت بمدينة الدار البيضاء، وكان والدها من عشاق فن العيطة، وانضمت لفرقة الفنان بوشعيب البيضاوي، وحازت أغانيها على شهرة واسعة وانتشار كبير في المغرب.
شاركت في المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي (1956-1912)، إذ كانت أغانيها تحمل رسائل مشفرة وإيحاءات ضد المستعمر؛ ما عرضها للتحقيق، كما قامت بجولات فنية في مختلف دول العالم، لنشر فن العيطة والغناء للمغاربة في الخارج وتحولت منذ ستينيات القرن الماضي إلى رائدة من رواد هذا اللون، وتوفيت في الـ5 أبريل 2021 عن عمر يناهز الـ91 عاما، بعد عام من اعتزالها.
«العيطة» فن شعبي ولد من رحم الاستعمار
«العيطة» فن شعبي مغربي ولد رحم الاستعمار وينتمي إلى الثقافة الريفية بالمغرب، وارتبط بالأرض والقبيلة فكان مرأة عاكسة لمشكلات وقضايا وهموم الناس، وهناك العديد من الشيخات والشيوخ الذين حاولوا محاكاة هموم الناس «بالعيوط».
ويقول نسيم حداد الباحث في فن العيطة إن هذا الفن دائما يحكي الهموم والأفراح والأحزان في المجتمع المغربي، وفي فترات مختلفة من تاريخ المغرب، كانت هنالك نصوص تحاكي الحياة الاجتماعية الخاصة بكل مرحلة، موضحا أن قوة هذا النوع من الفن يكمن في كونه أكثر تأثيرا ونفاذا إلى نفسية المستمع، وخلال الاستعمار كانت توظف كلماته لرفع همم المغاربة وحثهم على النضال، أو إضعاف شأن شخصية معينة، بحسب صحيفة النهار اللبنانية.
ويشكل فن العيطة أحد أهم الفنون في الثقافة المغربية الريفية، ويعود أصل كلمة «عيطة» في العامية المغربية إلى «العياط»، وتعني النداء والاستغاثة بصوت عال، فعندما يغني شيوخ فن العيطة كأنهم يطلبون مد يد العون إليهم، فعبر هذا الفن عن الواقع القروي البسيط ومعاناته وصعوبات العيش، وظل حقبة طويلة تراثا شعريا وموسيقيا شفويا.
فن «العيطة» بين الإقصاء والاحتقار
وعانى فن العيطة الإقصاء والاحتقار، بسبب منشأة ولكونه نابعاً من عمق الريف الذي عانت ثقافته عموماً الإقصاء، في وقت كان يولى فيه الاهتمام إلى الفنون الحضرية فقط، إضافة إلى النظرة الدونية التي ارتبطت به وكرست الصورة النمطية لغنيات فن العيطة، باعتبارهن مهمشات دفعت بهن ظروفهن الاجتماعية إلى الخروج على الإطار الأخلاقي للمجتمع المغربي، بامتهان الدعارة واعتماد المجون.
وبمرور الأيام وتغير نمط الحياة وطبيعتها، تراجعت قوة هذا الفن، فقديماً كان فن العيطة وغيره من الفنون هو الطريقة الوحيدة المتوافرة للتواصل ونقل الأخبار، وتراجع فن العيطة بسبب ضعف وردائه ما ينتج منه هذا اليومن فضلاً عن أنه تركز في التراث الشفوي ولم يوثق الشيوخ والشيخات إنتاجهم من هذا النوع إلا ما ندر، لذا يسير نحو الاندثار.
ويقول الكاتب المغربي حسن نجمي، أحد أهم الباحثين في هذا المجال في كتابه «غناء العيطة الشعر الشفوي والموسيقى التقليديَّة في المغرب» أن هذا الفن لم يول الاهتمام به وتدوينه إلا بدءاً من ثمانينيات القرن الـ20، معتبرا أن شعر العيطة هو فجر الشعر العربي بالمغربن بحسب موقع «إندبنت» عربية.
المستعمر الفرنسي وطمس هوية المغرب وفنونها
وطغت النظرة الدونية على فن العيطة لكون المستعمر يسعى لطمس الهوية المغربية، ومحاولة إسكات أصوات فنانيه لمساهمتهم في المقاومة من خلال بث رسائل مشفرة لا يفهمها إلا المقاومون، ويعتبر الناقد سعيد فرحاوي، أنه نظرا إلى قوة الصوت الغنائي في العيطة، والاستجابة لها.
ظلت «الشيخة» نموذجا ضروريا، واستغل الاستعمار انتماء ها إلى وسط مهمش، على أساس متمردة على النمط الأسري، إضافة إلى أنهم في هذه المرحلة كانوا إما أرامل أو مطلقات أو تجاوزهن سن الزواج، وفي الغالب كن لا يتقن الكتابة والقراءة، إلى جانب كون الشيخ في الغالب راعي غنم.
وأضاف أن هذه العوامل سهَّلت من مهمة الاستعمار في ابتذال «الشيخة» وتحقيرها والحط من فن العيطة، وجعلها حكراً على أوكار الدعارة، إلى جانب أن الباشوات والقواد كانوا يتباهون بامتلاكهم الشيخات، ورغم هذا ظلت حناجر جميلة تغنى بالمقاومة وتحمس الفدائيين للقيام بدورهم النضالي لاستقلال الوطن.