وليد طوغان يكتب: ياما دقت على الراس طبول
الكاتب الصحفي وليد طوغان رئيس تحرير مجلة صباح الخير
الأرقام تطمن.. لأن جهود الدولة للتعامل مع الأزمة تطمن هي الأخرى، مصر على الطريق الصحيح في التعامل مع الأزمة العالمية. مرة ثانية وثالثة ورابعة الأزمة أزمة كوكب.. كل دول العالم تعاني.. الأزمة ليست مصرية كما يود بعضهم أن يوهمنا.
محاولات إشاعة اليأس لن تجدي ولن تنفع مع شعب يا ما دقت على راسه طبول.
آخر إفراجات جمركية عن البضائع تعدت الـ3 مليارات دولار.
آخر شهرين سددت مصر حوالي 2.5 مليار دولار مدفوعات خارجية. خلال يومين الأسبوع الماضي تدفقت على البنوك المصرية ما يقترب من مليار دولار من أموال استثمار أجنبي.
(1)
إجمالي الإفراجات الجمركية عن السلع والبضائع في الموانئ اقترب من الـ12 مليار دولار، بعد وعد الدولة سرعة تسهيل وتيسير توفير السيولة لخروج تلك البضائع.
رفع سعر الفوائد في البنك.. بدأ في إنتاج آثاره في الطريق لخفض نسب التضخم، وبالتالي خفض أسعار السلع.
أكثر من 300 مليار حصيلة شهادات الاستثمار بالبنوك المصرية.. قبل أن تدخل البنوك الأجنبية على الخط.. وتطرح مزيدًا من البرامج الادخارية.. بنسب مرتفعة.
ما سبق أمثلة سريعة.. وبسيطة.. أو تطورات كاشفة عن قدرة أجهزة الدولة في التعامل مع تداعيات الأزمة العالمية.
بالتوازي .. لم تخلو الأسواق من السلع الأساسية. لم يخلو السوق المصرية من سلعة واحدة مهمة، في وقت تعاني فيه أسواق بلدان أكبر اقتصادًا وأقوى؛ من غياب تام لكثير من مستلزمات مواطنيها.
في أوروبا نقص غاز التدفئة يهدد ملايين بالموت من البرد. بلدان أخرى أثرت عليها الأزمة العالمية بنقص في الأدوية، وفى بلدان أخرى كان النقص في ألبان الأطفال على سبيل المثال معاناة إضافية لما تعانيه الأسواق من تداعيات التضخم العالمي.
نجاح إجراءات الدولة.. إضافة إلى التحرك السريع للإفراج عن البضائع في الموانئ ستقضي تماماً على ظاهرة الدولرة.
المقصود بالدولرة هو تداول الدولار في سوق موازية خارج السوق المصرفية. في السوق الموازية تحدث المضاربات، وتنعكس على أسعار السلع، في ظاهرة معروفة لبعض مستغلي الأزمات أحيانًا، وأحيانًا لبعض رواد التصدير والاستيراد.
إلغاء الاعتمادات المستندية، ومنح مزيد من المرونة للدولار، يسهم بقوة في حل الأزمة، إضافة إلى الإجراءات الأخرى التي نفذتها الحكومة، تشجيعًا للاستثمار الأجنبي، إضافة الى خطط دعم الصادرات المصرية للوصول إلى 100 مليار دولار.
إجراءات البنك المركزي الأخيرة أصابت السوق السوداء بالشلل. أزمة الدولار كانت واحدة من اكبر الصخور . لا تتفتت الصخور باليأس «وقلة الحيلة».. العقبات مهما كانت أحجامها تلين وتتداعى مع الرغبة في العمل واليقين في النجاح.
(2)
الدولة المصرية مش ساكتة. لذلك لا داع للخوف.
الإجراءات متوالية والنتائج تظهر ساعة بعد ساعة. صحيح المعاناة من ارتفاع الأسعار موجودة.. لكن مصر جزء من عالم كله يعاني من نسب فوق المتصور من الارتفاعات في أسواق المال.
لا أحد ينكر الجنون في أسعار السلع، لكن لا أحد ينكر أيضًا أن إجراءات الدولة خففت كثيرًا من آثار كان يمكن أن تكون أكثر قوة.
الأزمة لن تستمر، لأن التعامل السليم والسريع مع تداعيات الوضع الاقتصادي العالمي على قدم وساق.
من الكلية الحربية مصنع الرجال، جدد الرئيس رسائل الطمأنة للمصريين. قال إن مصر واجهت أزمات كثيرة السنوات الماضية.. وتخطتها بقدرة وثبات. صمدت الدولة وتصدت لمحاولات خطفها من مجموعات الإرهاب.. بقدرة أبناءها.
حققت الدولة أهدفًا في محاور متعددة. واجهت الدولة المصرية في السنوات العشر الأخيرة أزمات وجودية.
تداعيات الأزمات الوجودية سرطان مقارنة بارتفاعات في أسعار السلع، أو الارتفاع الكبير في نسب التضخم.
في أوقات الازمات علينا أن نتذكر ما فات.. وعلينا أن نستعيد ما حققته الدولة المصرية بقدرتها على الحفاظ على وطن.. كان كله مهددًا وقتًا ما.
علينا أن نستعيد تفاصيل قدرة الدولة المصرية على حفظ استقرارها وأمنها.
كانت التضحيات غالية وكبيرة. بذلت الدولة في الطريق لحفظ نفسها وصيانة مقدرات أبناءها خلال 9 سنوات كثيرًا من دماء وأرواح أبناءها.
خرجت الدولة من 2013 بأوضاع تقترب من جرف هار. الأزمة كانت أكبر وأضخم.. وتداعيات أكثر خطورة.. والصورة كانت شديدة القتامة. كانت أزمة كبرى لا تقارن بأزمة أخرى مهما كانت.. في أي وقت.. ولا أي ظرف.
خلال أقل من سنتين بعد 2014 كانت الدولة المصرية قد استعادت نفسها، من أكثر موجات الفوضى التي شهدتها مصر على مر تاريخها.
لم يتحقق نجاح الدولة في استعادة نفسها بين يوم وليلة. المريض كان على طاولة العمليات.. ومعظم أجهزته الحيوية كانت قد قاربت على التلف.
تحقق النجاح بالتدريج، وتفوقت مصر على الظروف الدولية، والمؤامرات الكونية، والكيانات الإرهابية المدعومة.. بالتدريج.. وخلال سنوات.
كما لا يتحقق النجاح مرة احدة.. لا تختفي الأزمات بين ليلة وضحاها. لا يأتي التخطي إلا بالعمل والصبر. والدولة المصرية.. بشعبها قادران على تخطى مزيدا من الأزمات، كما حدث وتخطا في الماضي.. تهديدات وجودية.
تحققت خلال العشر سنوات الماضية أمورا عظيما، وطفرات على مستويات عدة. تغيرت مصر، وتغيرت أوضاع الأكثر احتياجا. تغيرت العشوائيات وتبدلت ببيوت كريمة، وسكن آمن لأول مرة.
تغيرت مصر، وتمهدت طرق الاستثمار، واستعادت مصر المكان والمكانة في المنقطة والإقليم.
ما تحقق خلال العشر سنوات الماضية أمور تدعو للفخر.. وتجزم بالنجاح.
مؤسسات الدولة المصرية قوية.. وكلما كانت الدولة قوية، كلما كانت قادرة على مجابهة التحديات المختلفة.
الأزمة العالمية تحدي. تحدي لم تخلقه مصر ولم تسع إليه. لكن لديها القدرة على التعامل والتعاطي.
منذ بداية الازمة الروسية الأوكرانية، وتسعى الدولة لأن يكون تأثير الأزمة أقل ما يمكن على المواطن. عمدت الدولة إلى ألا تجعل الحياة قاسية على الناس.. في بلد تعداده 104 ملايين نسمة.. بزيادة 2 مليون في السنة والواحدة.
الأزمة العالمية وضعت فرض علينا.. تعاملت الدولة مع كل ما فرض عليها من أزمات.
لم يحدث أن سعت مصر ابدأ لاختلاق المشكلات، أو الدخول فيما يستنزف قدراتها أو مقدراتها. كانت الدولة حريصة دائمًا على سياسات التعاون والحكمة والرشد.
حتى في التعامل مع الأزمات السياسية التي فرضت عليها.. كانت المعادلة هي: السياسة والحكمة والرشد.
لدى الدولة كثيرًا من التصورات عن الحلول.. والسياسات في الطريق لمزيد من الابتكارات نحو الحلول. عندما يتساوى دخل الدولة من الدولار ومصروفها من الدولار الأمور ستتحسن الأمور. حجم الصادرات 50 مليار دولار.. والعمل جار للوصول إلى المزيد.
دعك من محاولات التيئيس .. ومحاولات إشاعة التشاؤم. هناك من لازال لديه ثآر مع دولة استطاعت إيقاف كرة نار كبرى، كادت تعصف بالمنطقة كلها من خلال مصر.
هناك من ينتظر الفرص، ويتحين المناسبات لإشاعة روح الشك.. وروح الانهزامية.
لن تجدي هذه المحاولات. المصريون على قلب رجل واحد. سنتخطى الأزمة.. وستتخطاها الدولة، كما سبق وتخطت.. وتجاوزت.
الظروف اختبار. والأزمات هي الأخرى اختبار. الظروف الصعبة التي تمر على الدول اختبار لقدراتها.. وفرص لكشف المعادن على كل المستويات الداخلية والخارجية.
تعرف المصريون على قدراتهم من قبل. ياما نجح المصريون مع دولتهم في تخطي ظروفا أصعب من قبل .
كل محنة حولها المصريون إلى منحة بالإرادة والعمل والأمل.
سنتجاوز باليقين.. واليقظة.. والوعي. سنتجاوز لأنه: ياما دقت على الراس طبول.
مقال الكاتب الصحفي وليد طوغان رئيس تحرير مجلة «صباح الخير» في العدد الجديد من المجلة.